تعريفات الذوق التي قُدمت هو أنه ملكة تجمع بين القدرة على التأليف الأدبي، والقدرة على نقد الأدب ومعرفة الجيد والرديء منه، وهو ملكة لا تنبت من عدم، وقد كانت أمراً وجدانياً كما أجمع على ذلك غالب النقاد، فإنها تحصل بممارسة كلام العرب، وتكرره على السمع والتفطن لتراكيبه،والأدب لا يصدر عن فراغ وإنما عن ذوق خاص يستشعر الجمال الفني قبل أن يخوض في بيانه والكشف عنه، ويرى الدكتور الخالدي أن الضعف الذي أصبحنا نلمسه في مجالات عدة في عصرنا هذا، في جامعاتنا ومدارسنا، وخاصة ما تعلق منه بالتعامل مع النصوص النقدية القديمة والحديثة، إنما مرده إلى عدم التوافر على حاسة ذائقة، وهذا التذوق لا يتحقق إلا بجملة شروط، منها الإعداد الفطري والوجداني لتقبل العمل الأدبي والتفاعل معه، وتحقيق حد أدنى من العلم بقواعد اللغة خاصة وغيرها من العلوم الأخرى.
وفي مجال دراسة النصوص ونشرها نجد دراسة للباحث العراقي المتميز الدكتور عباس هاني الجراخ من جامعة بابل بالعراق، عن: «جعفر بن عُلْبَة الحارثي: حياتُهُ وما تبقَّى من شعره-جمع وتحقيق ودراسة-»،فقد قدم دراسة معمقة، جمع فيها من مختلف المظان كل ما يتعلق بحياة وشعر جعفر بن عُلبة بن ربيعة الحارثي، والذي لم يعرف عن أسرته إلا القليل، حيث اكتنف حياته غموض شديد، وقد برز إلى الأحداث بصفته فارساً يُدافع عن قبيلته (الحارث بن كعب) المنسوب إليها، وقد تباينت الأخبار بشأنه، واختلفت الروايات في سبب مقتله، وكيفية ذلك، فهذا أبو الفرج الأصفهاني (ت:356هـ)،يذكر ثلاث روايات بخصوص هذا الأمر، الأولى: لأبي عمرو الشيباني (ت:205هـ)،والثانية لابن الكلبيّ (ت206هـ)،والثالثة للنضر بن حديد. وبخصوص العصر الذي عاش فيه الشاعر يرى الباحث بأنه من العصر العباسي، وقد عاصر الوالي السري عبد الله الهاشمي. وبخصوص شعره فقد رأى الدكتور عباس هاني الجراخ أن المكان يحتل أهمية خاصة عند الشاعر، فهو بمثابة كيان واقعي عاشه، فنراه يذكر: قرى، وسحبل، ونجد، ومكة المكرمة، وخدوراء، وقد تجسد الموت في شعره مقترناً بصورة الحرب، وإدراكه لحتمية الموت دفعه للجرأة عليه، وعدم الخوف منه، وعلاقته بالدهر هي علاقة الأقوى بالأضعف، فهو يضيف اليوم لنفسه كي يكتسب شيئاً من خصوصيته، وأما لغة الشاعر فقد أشار الباحث إلى أنه يستخدم المقابلة الضدية مع أعدائه، كما يستخدم الكناية كثيراً، وتتردد في شعره ألفاظ السجن، وما يتعلق به، كما تتردد الألفاظ المدوية ذات الإيقاع الحربي، وقد اهتم اللغويون والشراح بشعره، فاستشهدوا به، وشرحوا ما رأوا أنه يناسب مصنفاتهم، ومن اللغويين الذين اهتموا بشعره: ابن جني (ت392هـ)،والعكبري (ت616هـ)،والهَجَرِيّ (ت نحو 300هـ)، والأعلم الشنتمري (ت476هـ).
وقدم وحقق الأستاذ الدكتور رشيد بن علي الحمداوي من مراكش بالمغرب الأقصى، وثيقة هامة، تضمنت: «جواب العلاّمة أبي حفص الفاسي عن مسألتين في أسماء السور»،فقد أشار الباحث في البدء إلى أن العلاّمة «أبي حفص عمر بن عبد الله الفاسي» يعد خاتمة المحققين بالديار المغربية، ومن أهم مؤلفاته كتاب: «إسعاف المسائل بجمع الأجوبة والرسائل»،فهو يعد ذخيرة ثمينة في العلوم الشرعية معقولها ومنقولها، تجلو لنا معالم شخصية مؤلفها فقيهاً أصولياً متكلماً مشاركاً مشاركة مرموقة في اللغة والحديث والتفسير، ولذلك فقد ارتأى الباحث تحقيق بعض رسائله، وأجوبته، ومن مؤلفات العلاّمة أبي حفص الفاسي كتاب: «إحراز الفضل بتحرير مسائل القول الفصل»،وكتاب: «بغية الأريب في بعض مسائل مغني اللبيب»،وكتاب: «تحرير النظر في مسائل المختصر»،و «تحفة الحذاق في شرح لامية الزّقّات»،وكتاب «طلائع البشرى فيما يتعلق بشرح العقيدة الكبرى»، وكتاب «غاية الإحكام في شرح تحفة الحكام». وقد عرَّف الدكتور الحمداوي بالسائل الذي وجه سؤاله إلى أبي حفص، وهو العلاّمة النحوي التصريفي الجليل أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسي الفهري (1130 - 1214هـ)،وقد درس في فاس، ثم رحل عنها نظراً لوفاة والده، وقد أحكم القراءات السبع على طريقة الجمع، واتصف برسوخ الملكة في كثير من الفنون، كالنحو، والتصريف، واللغة، والعروض، والحساب، والفرائض، مع الحفظ والضبط والتبحر في الحديث والسير والتواريخ، وقد ألف عدة تآليف معظمها في القراءات وعلوم العربية، وعن صلته بأبي حفص يشير الباحث إلى أنه كانت تجمع
¥