وعنون الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الخالدي من الرباط بالمغرب الأقصى، مقاله ب: «الذوق في العمل الأدبي: خصائص ومقومات»،وقد حاول الباحث من خلال هذه الدراسة القيمة أن يقارب مفهوم الذوق في العمل الأدبي، والتعمق مع خصائصه، ومقوماته، كما استعرض دلالاته عند مجموعة من النقاد القدامى، بغرض الكشف بعمق عن أسراره، وخصائصه، ومقوماته،ولم يكتف الباحث بالعرض فحسب، بل إنه يقدم للقارئ رؤى نافذة، ويبدي وجهة نظره في المواضيع المطروحة بين الحين والآخر،وقد أشار في مقدمته إلى أن الذوق صار جزءاً من التفاعل الإيجابي مع النصوص والإبداعات القديمة منها والحديثة، في الجامعات والمدارس، وهو وسيلة لإدراك عناصر الجمال أو القبح فيها، وما تحويه من إمكانات في التعبير متعددة، ولذلك فقد التفت القدماء قبل المحدثين إلى هذا الشرط الأساس في التفاعل مع الإنتاج الأدبي، وقد أفردوا له دراسات متعددة، واعتبروه مما يجب توافر ولو حد أدنى منه لمن أراد الكتابة والإبداع، فضلاً عمن أراد النقد والتمحيص، أو التصحيح والاستدراك، ولذلك فقد لقي اهتماماً كبيراً من القدماء وقد أولوه عناية خاصة، وأظهروا دوره في نقد الكلام، وتمييز جيده من رديئه، وقالوا فيه كلاماً كثيراً،بل وقعَّدوا له ووضعوا شروطاً لابد منها للحكم على العمل الأدبي اعتماداً عليه، كما أظهروا دوره في نقد الأدب وتمييز جيده من رديئه، ومن بين النقاد الذي عنوا بمفهوم الذوق عبد القاهر الجرجاني. وقد تحدث الباحث في العنصر الأول من بحثه، والموسوم ب: «تحديد مفاهيمي لابد منه»،عن معنى الذوق والمقصود به، وشرحه بمعنى ذُقتُ فُلاناً وذُقتُ ما عنده بمعنى خبرته، وكذلك ما نزل بالإنسان من مكروه فقد ذاقه، وأمر مستذاق أي مُجرب معلوم، وقد كثر استعمال المصطلح حتى أضحى عبارة عن كل تجربة، كما صار مقروناً بالطبع، وقد تعرض ابن خلدون لتفسير كلمة الذوق فقال في مقدمته: «وهذه الملكة، الذوق، إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تراكيبه، وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية التي استنبطها أهل صناعة البيان».كما عرض الباحث مختلف المفاهيم التي أدلى بها أصحابها عن الذوق، فعرض رؤية الناقد الأستاذ مصطفى أبو كريشة، وضياء الدين ابن الأثير الذي رأى أن معيار الفصاحة هو الذوق السليم، بينما أكد السكاكي على ضرورة تحكيم الذوق في الحكم على العمل الأدبي من خلال الربط بينه وبين المعايير البلاغية، وقد رأى الباحث أن السكاكي لم يعرّف الذوق تعريفاً دقيقاً، لكنه سماه: «سلامة الفطرة واستقامة الطبيعة، وشدة ذكاء وصفاء قريحة، وعقل وافر». وقد كانت عناية السكاكي بالقاعدة أداة فنية لقياس العمل الفني عناية متقدمة، ولكنها لم تكن المقياس الوحيد لديه، إذ كشف عن أهمية الذوق في إدراك أسرار الجمال الفني في التراكيب والنصوص وتقدير وجه الإعجاز والجمال في التركيب القرآني، ذلك أن إدراك الإعجاز في نظره مسألة لا تتصل بالصحة والخطأ الذي يمكن تفتى بأمره القاعدة المقررة، وإنما تتعلق بأمور بعد ذلك مما له علاقة بالإحساس والشعور، وقد قسم الباحث الذوق إلى قسمين: الذوق الخاص: وهو الملكة أو القدرة النقدية الناتجة عن الاستعداد الفطري، أو هو ذلك الاتجاه الذي يعتمد على ميول الإنسان الفردية في حكمه على العمل الفني. والنوع الثاني هو الذوق العام، الذي هو مجموع تجارب الإنسان، وطول ممارسته وعمق خبرته، وحصيلة تكوينه الفكري التي يفسر بها العمل الفني ويميزه، ويحكم عليه من خلال حسه وإدراكه السليمين. وقد خلص الباحث في الأخير إلى أننا في حاجة ماسة إلى تربية أذواقنا لتحقيق التفاعل الإيجابي، والفعال مع كل ما نقرأ، ومثلما رأى الدكتور أحمد الشايب «فالذوق السليم يتكون بالقراءة والدرس، ويكتسب شيئاً من اللين والمرونة وقول الجديد، لأن الذوق خلق من الأخلاق القابلة للتهذيب والتنقيح بالقراءة والفهم والدرس بحيث يكون ذوقاً مبنياً على التجربة مما قرأ الإنسان، وفهم من العلوم والفنون، فالذوق الصحيح ينضج ويتربى بالنقد، والنقد يتهذب بالذوق لأنه معين ومساعد على الفهم». وتوصل الباحث إلى أن ما ذهبت إليه الدراسات الحديثة بشأن تربية ملكة الذوق هو نفسه ما أشار إليه جملة من النقاد القدامى كابن الأثير، والجرجاني، والسكاكي، وابن خلدون، وغيرهم، والقاسم المشترك بين
¥