ملتقي اهل اللغه (صفحة 11608)

بينهما القرابة، فهما معاً من الأسرة الفاسية الفهرية، ويلتقيان في جدهما الأعلى العربي بن أبي المحاسن الفهري، كما أن صلته العلمية بأبي حفص كانت وطيدة، وقد درس عليه العربية في أول مراحل الطلب، وقد كان مجلسه أول مجلس حضره لتعلم العربية، وعرّف الباحث بمصدر الجواب وهو كتاب إسعاف السائل، وقد تضمن السؤال خمس رسائل لأبي حفص، هي: إزاحة الإشكال عن إباحة السؤال، وإجادة التأليف لبيان متعلق التكليف، ومنة الوهاب في نصرة الشهاب، والتماس الرشد في مجاوبة ابن رشد. وقد تعرض الباحث لمنهجه في تحقيق المخطوط، وعدد النسخ،فقد وجد ضمن نسختين من كتاب: «إسعاف السائل».

وفي البحث الأخير، يتساءل الأستاذ الدكتور عبد الرزاق حويزي من كفر الزيات بمصر، عن مصنف المخطوط النفيس الموسوم ب: «كتاب المحاضرات والمختارات»، فيعرض علينا في البدء قصته من خلال تنقيبه بين الفهارس الآلية والرقمية بدار الكتب المصرية، فقد وجد هذا المخطوط في دار الكتب المصرية، دون ذكر لاسم مؤلفه، ولا تاريخ تأليفه، ولا نوعية مادته الأدبية والعلمية، وقد وصف الباحث ذلك المخطوط بعد الإطلاع عليه بأنه: «أثر نفيس، عبثت به أنامل الإهمال، فمزقته شر ممزق، وعاثت فساداً في أرجائه، حتى أصبح في حالة يُرثى لها، حالة تستدعي الإشفاق على هذا المخطوط، ومحاولة إنقاذه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذُهُ من تراثنا العريق». ويرى الباحث أن العنوان يبدو أنه من وضع أحد المفهرسين في دار الكتب المصرية، والدليل على ذلك إضافتهم للفظة كتاب، وعدد أوراق المخطوط213 ورقة في كلَّ ورقة صفحتان، وفي كل صفحة16 سطراً، وتاريخ نسخه، وناسخه، غير معلومين، ويرى الباحث بأنه قد نُسخ علي يدَّ أحدِ النُّساخ في العُصور المتأخرة، وقد نُسخ بخط جميل مشكول، وقد سعى الباحث من خلال هذا البحث إلى معرفة مؤلفه المجهول، وقد احتوى على اثني عشر باباً، ويبدأ المخطوط بداية مبتورة، بشرح لبعض الأبيات، وقد أدرك الدكتور حويزي أن هذا المخطوط يعد أثراً نفيساً لما ضم بين دفتيه من مادة علمية، يعزُّ الوقوف عليها في المصادر المطبوعة، وهذا ما يلمسه القارئ منذ الوهلة الأولى، حيث ضم قصيدة لامية لابن ظهير الإربلي، قوامها51بيتاً لم ترو المصادر المطبوعة منها إلا خمسة عشر بيتاً فقط، ولم يقتصر الأمر على تفرد المخطوط بكثير من أبيات هذه القصيدة، بل يقف القارئ فيه على أشعار كثيرة أخرى أخلت بها بعض الدواوين المطبوعة، كديوان «ابن الحلاوي الموصلي»،الذي وردت فيه الكثير من القصائد المغمورة لهذا الشاعر الفذ، كما أن المخطوط أتى على سرد تراجم لبعض الشعراء المجهولين كالبواريحي وغيره، ولم تقتصر أهمية المخطوط على هذا فحسب، بل تتبدى أهميته كذلك من جانب آخر، يكمن في تنوع مادته، واشتماله على موضوعات متباينة في أبواب ذات اتجاهات متعددة، فيشعر المطالع فيه وكأنه ينتقل من بستان إلى بستان، كما يحتوي المخطوط على باب تحدث فيه مصنفه عمَّا قيل في فصول السنة، وما يتصل بها من ثمار وفواكه، وقد ألقى هذا المخطوط الضوء على هوية مصنفه، وشيوخه، وعصره، ولكن اسمه غير معروف، والسؤال الذي استلب اهتمام الباحث هو من مصنف هذا المخطوط؟ فقد طرح المؤلف على نفسه هذا السؤال ردحاً من الزمن، وبعد أن نهض الباحث بتدوين أشعار المؤلف، وكل ما يتصل بالإفصاح عن هويته، أو عصره، بعد فحص مادته العلمية، انتهى بعد البحث عن الفترة الزمنية إلى أنه قد تم تأليفه بين القرنين السابع والثامن للهجرة، حيث إن المؤلف يذكر أشخاصاً، جمعته صداقة بينهم، اتضح أنهم ينتمون إلى القرن السابع، من بينهم عز الدين الإربلي، وقد أورد له قصيدة في مدح خواجة علاء الدين صاحب الديوان، وكان صاحب الديوان هذا حياً عام:660هـ، معنى هذا أن المؤلف قد عاش في هذه الفترة، ويرجح ذلك إشارته إلى بعض مشايخه كابن الظهير الإربلي المتوفى سنة:677هـ، وابن أنجب الساعي المؤرخ المتوفى سنة:674هـ، وابن المستوفي الإربلي المتوفى عام:637هـ، وبالنسبة لموطن المصنف، فقد اتضح للباحث أنه يردد أسماء طائفة من الأدباء والعلماء ووُجهاء القوم الذين عاشوا في الشمال الشرقي من العراق، وبالتحديد في مدينة «إربل»،من بينهم بهاء الدين المنشئ الإربلي، والعز الإربلي، وقد اتضح للدكتور عبد الرزاق حويزي بعد عثوره على بيتين لصاحب المخطوط، نسبهما العسقلاني إلى عالم من علماء «إربل» في القرنين السابع والثامن الهجريين، وهو كما ترجم له ابن حجر العسقلاني «عبد الرحمن ابن إبراهيم بن قنيتو بدر الدين الإربلي الأديب أبو محمد كان مشهوراً بالبلاغة وحُسن النظم، مدح الملوك، وتعانى التجارة، ومات سنة:717هـ، وله سبع وسبعون سنة»، وهو مؤلف هذا المخطوط، وقد اتضح للباحث أن لهذا العالم باعاً لا ينكر في ميدان التصنيف، وأن الإهمال قد التهم بعض مؤلفاته، ويشهد على ذلك كتابه المنشور مرتين، والموسوم ب: «خلاصة الذهب المسبوك»، وهو كتاب هام في التاريخ، وقد كان شاعراً مُجيداً، وقد أشار الدكتور عبد الرزاق حويزي إلى أنه قد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مصنف هذا المخطوط هو «ابن قنيتو الإربلي»،المتوفى سنة:717هـ.

أ. محمد سيف الإسلام بوفلاقة-عنابة-

دنيا الوطن - 05/ 07/2010

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015