ملتقي اهل اللغه (صفحة 11605)

واحدة متكاملة، وهذا هو المعنى الذي حدّده المفكرون باللغات الأوروبية للعولمة (globalization) في الإنجليزية والألمانية، وعبروا عن ذلك في الفرنسية بمصطلح (mondialisation) ، ووضعت كلمة (العولمة) في اللغة العربية مقابلاً حديثاً للدلالة على هذا المفهوم الجديد، ومهما تعدّدت السياقات التي ترد فيها (العولمة)،فإن المفهوم الذي يعبّر عنه الجميع، في جميع اللغات، هو الاتجاه نحو السيطرة على العالم وجعله في نسق واحد، ومن هنا جاء قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة بإجازة استعمال العولمة بمعنى جعل الشيء عالمياً. ومن خلال العنصر الأخير تحدث الباحث عن التحديات والآفاق التي تواجه الأدب المقارن، إذ أشار إلى أن التغيرات العالمية التي شهدتها الإنسانية قد أثرت تأثيرات كبيرة على حركة الدراسات المقارنة، وحدثت تغيرات جذرية، تغيرت معها الأفكار، والرؤى التي طُرحت في المراحل السالفة تغيراً جذرياً، إذ أن الأدب المقارن في القرن الحادي والعشرين، يستقبل هذا القرن بتساؤلات ومجادلات صاخبة حول تحديد منهجه ومنطقه ومنطقته ومستقبله وأدوات بحثه وعلاقاته بالأنظمة الأخرى، ولا يكاد يضاهيه في ذلك أي نظام معرفي آخر، في دنيا العلوم الإنسانية بوجه خاص، ودنيا العلوم بوجه عام. وقد يرجع ذلك إلى حداثة هذا النظام وتفجر الخلافات والنزاعات في داخله وحوله من قبل أن يبلغ رشده ويشتد أزره، ومما ذكره الباحث بشأن مستقبل الأدب المقارن قوله إن المؤتمرات الحديثة للرابطة الدولية للأدب المقارن، وكذلك الرابطة الأمريكية للأدب المقارن بوجه خاص، تدل على قلق بشأن مستقبل هذا النظام المعرفي ومقدرته على التجاوب مع المتغيرات الكبرى للعصر مثل: تفشي الثقافة التكنولوجية، وثورة وسائط الاتصال، والكتابة الحاسوبية والنص المفرع والإنترنت، والواقع الافتراضي والفضاء الافتراضي، وحقوق الملكية الأدبية، ومسائل الأيديولوجيا الجمالية المعاصرة، وطغيان التخصصات المتداخلة والمتقاطعة (وهي ظاهرة ذات طابع مقارني)،وكذلك تأثير الانتشار المذهل للغة الإنجليزية في فعالية الحاجز اللغوي للمقارنة (الذي على أساسه قام الأدب المقارن)، وعلاقة الأدب المقارن بالأدب العالمي، وأخيرا تأثير الثورة التكنولوجية والمعلوماتية في تدريس الأدب بوجه عام، والأدب المقارن بوجه خاص، وقد ناقش الباحث مستقبل الأدب المقارن باستفاضة من خلال تعرضه لثلاثة عناصر رئيسة هي: استمرار حالة الجدل والنقاش والاضطراب حول طبيعة الأدب المقارن وهويته. أو التحويل الكامل أو شبه الكامل لوظائف النظام المقارن وأهدافه إلى الأنظمة الأخرى المشرئبة للمنافسة. أو التطوير الجذري ولكن ضمن الإطار المسمى بالأدب المقارن. وقد ختم الباحث مقاله بإشارته إلى أنه: من خلال التأمل في النتائج المحتملة التي تنجم عن تأثيرات العولمة على مصير الأدب المقارن أو الدراسات المقارنة، فإنه لا ينبغي التقليل من شأن آثار العولمة على الأدب المقارن، فهي تنقسم إلى قسمين: إيجابي وسلبي، ولا ينبغي أن نغرق في التشاؤم، فيمكن أن تُقدم العولمة خدمات جليلة للدراسات المقارنة، ولاسيما إذا نظرنا إلى جانب الثورة المعلوماتية، والاتصالية، ونمو الدراسات المستقبلية، وإن القضية ستظل مطروحة على الساحة الثقافية والفكرية، ويستوجب إنجاز دراسات معمقة ترصد هذه الظاهرة، وتُلفي حلولاً لها، وما يستوجب الوقوف عنده، وإيجاد طرائق للتصدي له هي تلك النزعات الاستهلاكية التي تهدف إلى طمس الخصوصيات الثقافية، ومسح التنوع الثقافي لشعوب المعمورة، وبمسح التنوع الثقافي تُمسح وتختفي الدراسات المقارنة، فلا بد أن تتصدى الفنون والآداب في وجه هذه الرياح العاتية، وتصمد حتى تظل الآثار الأدبية العالمية لشعوب المعمورة خالدة، وبعيدة عن البيع في سوق العولمة الجارفة، وينبغي على المقارنين، وعلى منظمات وهيئات الأدب المقارن العالمية، أن تسعى جادة من أجل أن تُستثمر العولمة كعنصر إنعاشٍ ورقيٍ وازدهار بالنسبة للأدب المقارن، وذلك عن طريق استغلال الثورة المعلوماتية والاتصالات الحديثة، من أجل أن تكون عنصراً فاعلاً في عملية البحث والتنقيب والتعمق في التراث الحضاري للشعوب.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015