العرب، وهو نفس الهدف الذي سعى إلى تحقيقه من خلال تأليفه لكتابي: «صفة السّرج واللِّجام»، و «وصف المطر والسَّحاب وما نعته العرب الرُّواد من البقاع»،إذ رغب في أن يكون هذان الكتابان رسالتين صغيرتين تُمهدان لصناعة معاجم المعاني التي تطرح الموضوع ثم تروح ترصد الألفاظ العربية المرتبطة به. كما ألف ابن دريد كتاب: «الملاحن»،وقد أبان في مقدمته عن غرضه من تأليفه فقال: «ليفزع إليه المجبر المضطهد على اليمين، المكره عليها، فيعارض بما رسمناه، ويُضمر خلاف ما يُظهر ليسلم من عادية الظّالم، ويتخلّص من جنف الغاشم»، وهذا ما يُفهم منه أن غرض ابن دريد وهدفه هو هدف تعليمي، لم يرغب في أن يتنصل منه. ورأى الدكتور سمر روحي الفيصل أن معجم: «جمهرة اللغة» يقترن الحديث عنه بثلاثة أمور، وهي: الرِّيادة في الصناعة المعجمية، والارتجال، والنُّزوع إلى التّجديد. وقد تجلت ريادته من حيث إن معجم: «جمهرة اللغة»،هو ثاني معجم لغوي في تاريخ المعاجم العربيّة بعد معجم «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي، وأما الارتجال فالمراد به لجوء ابن دريد إلى إملاء معجمه استناداً إلى سعة محفوظه من اللّغة، ودقة ذاكرته، دون الرجوع إلى الكتب في غير الهمزة واللَّفيف. وهذا ما نقله تلميذه إسماعيل بن عبد الله الميكالي. وأما نزوع ابن دريد إلى التجديد، فهو نزوع أصيل في مؤلفاته كلّها، إذ منح الجمهرة ميزة التَّقدم خطوات في الصِّناعة المعجميّة، وقيدها في الوقت نفسه برؤى لغوية لا يمكن تعميمها في أي معجم لغويّ. وقد رأى الباحث في ختام البحث أن النُّزوع إلى التّجديد هو مفتاح شخصيّة ابن دريد في شعره وروايته الأخبار، وعمله اللغويّ. ولا فائدة كبيرة من البحث في الجزئيّات التي تجلّت فيها موهبته إذا لم يكن هذا المفتاح دليلاً على اختراقه السّائد في ثقافة معاصريه، وتقديمه الجديد المفيد الذي يتخطَّى عصره إلى العصور اللاحقة. ولا أهميّة للمفتاح نفسه إذا اعتقدنا أنّ كلّ أعمال ابن دريد جديدة. فالمبدع ينجح حيناً، ويخفق أحياناً، ولكنّه يستمرُّ دائماً في الإنتاج، بعيداً عن القادحين والمادحين.
ويضعنا الباحث الأستاذ زيدان عز الدين عللوه من رأس الخيمة بالإمارات العربية المتحدة في صورة الفن الخطابي في التراث النقدي، وذلك من خلال مقاله الموسوم ب: «الفن الخطابي في التراث النقدي-حفر في ذاكرة المصطلح-»،وقد سعى الكاتب من خلال هذا المقال لرسم خارطة للتصور المنهجي من خلال البحث في ذاكرة المصطلح، فقدم في البدء جملة من الأسئلة: هل وُفق التراث النقدي في وضع تعريف مناسب للخطابة؟ وهل كان هذا التعريف مجملاً عائماً أم كان تعريفاً فاصلاً يتسم بالحدية والدقة؟
وقد عرض الباحث موضوعه، وفقاً لمنهجية سليمة، حيث وقف في البدء على المفهوم اللغوي والاصطلاحي للخطابة، ثم تطرق لمجموعة من العناصر الهامة، انطلاقاً من الجهود اللغوية والنقدية في التأطير النظري لفن الخطابة، ثم ألقى الضوء على عناصر عملية الاتصال الخطابي، والتي هي عبارة عن نسق لغوي شفوي يتم من خلاله بث رسائل سياسية أو دينية أو اجتماعية بغرض الإقناع، وهذا النسق اقترن وجوده بوجود مجتمع يتفاعل أفراده، ويتبادلون الآراء والأفكار ويعبرون عن أغراضهم، ومقاصدهم، ومشاعرهم، وعقائدهم، وتجري هذه العملية بين المتلقي والخطيب الذي يبتكر حجة يقدمها في شكل قول للجمهور، وهدف الخطيب المبدع هو أن يعكس صورة إيجابية عن نفسه، وأن يشجع المتلقين على تقبله، وقد استفاض الباحث في شرحه للعناصر الأساسية لعملية الاتصال الخطابي، فتعرض في البدء للخطيب، بصفته المبدع الذي ينتج السياق النصي، ويكون مرتبطاً بموقف سائد، أو مراقباً لحدث، أو ظرف يستدعي منه موضوع الخطبة، والعنصر الثاني هو النص، الذي يُنظر إليه كونه مجموعة من المتواليات اللفظية، أو الطاقة اللغوية التي يفجرها الخطيب أمام جمهوره بصورة تحقق شروط التماسك والانسجام وتأدية المعنى، وتبدو من خلاله الوظيفة الأدبية للغة التي يشيعها المبدع في ثنايا النص، مشحونة بالعاطفة والعلاقات الدقيقة اللغوية المتناسقة، ويتميز النص الخطابي بانفتاحه، وثرائه، وتنوع دلالاته، واتساعه للكثير من التفصيلات، وأشار الباحث إلى أن وحدة الغرض، أو الوحدة الموضوعية، هي أهم سمات النص الخطابي في تاريخ الأدب العربي، ولعل ابن المقفع هو أول من سجل ملاحظاته حول
¥