ملتقي اهل اللغه (صفحة 11600)

وأما الأستاذ حسني عبد المعزّ عبده عبد الحافظ من الدقهلية بمصر، فقد أفرد مقاله للحديث عن موضوع يعد مثار جدل، وقد سبق الخوض فيه، بيد أنه لا يزال يستحق الدراسات تلو الدراسات نظراً لأهميته، وهو موضوع يتصل بأسبقية الرحالة العرب في ولوجهم للقارة الأمريكية، وقد عنون مقاله ب: «رحلات المغامرين العرب في المحيط الأطلسي-دلائل الولوج إلى الأمريكيتين قبل كولومبس-»،فقد سعى الباحث من خلال هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على رحلات المغامرين العرب في المحيط الأطلسي، وقدم الدلائل والبراهين التي أكدت الوجود العربي الإسلامي في الأمريكيتين قبل كولومبس، فأشار إلى رحلة خشخاش بن الأسود، الذي أشاد به كل من البكري والحميري، فقد أبحر من دلبا (بالوس) في صيف عام:889م (إبان حكم الخليفة عبد الله بن محمد للأندلس، والذي امتد من عام:888إلى 912م)،وقد توغل خشخاش إلى غاية الوصول إلى أرض واسعة مجهولة عاد منها بكنوز كثيرة، وبحسب رواية المسعودي، فإن خبر خشخاش مشهور عن أهل الأندلس، وقد أكد المؤرخ الإسباني خوان بيرنيط على الأهمية الاستثنائية لرحلة خشخاش، وذكر أنه ربما وصل إلى الشواطئ الأمريكية، وأشاد بها المؤرخ الروسي أغناطيوس يوليا نوفتش كواتشكوفسكي. وأما الرحلة الشهيرة التي قدمها الباحث كدليل على وصول الرحالة العرب إلى الأمريكيتين فهي رحلة أولئك الشبان الثمانية، والتي عُرفت برحلة المغررين، أي المخاطرين، فقد ذكر خبرهم كل من المؤرخين أبي حامد الغرناطي، وكذلك الإدريسي الذي أشار إلى أن خروجهم كان من بحر لشبونة، كما وصف الإدريسي بدقة الأهوال والمصاعب التي لقوها في رحلتهم، حتى كادت أن تهلكهم، وقد كتب العلاّمة مصطفى الشهابي دراسة قيمة حول هذه الرحلة، أكد فيها أن هؤلاء الشبان نجحوا بالفعل في الوصول إلى إحدى جزر أمريكا الجنوبية. كما أشار إلى رحلة المسلمين الأفارقة، ومن بينها: رحلة ابن فاطمة، ورحلة أبو فرّوج الغرناطي، ورحلة زين الدين علي بن فضل المزندراني، وقد توصل الباحث إلى أن وصول العرب والمسلمين إلى العالم الجديد لم يعد أمراً مشكوكاً فيه، وهذا ما أشار إليه الدكتور جيفر يزر، أستاذ العلوم الأثرية في جامعة (ويتراتر ستراند) بجنوب إفريقيا، بعد دراسة مستفيضة أجراها سنة:1955م، أكد من خلالها على أنه: «من الخطأ نسب اكتشاف أمريكا إلى كولومبس، لأن العرب هم في الواقع الذين اكتشفوها، قبله بمئات السنين»،وقد قال جيفر يزر بأنه قد عثر هياكل بشرية، جلها يعود إلى أشخاص ذوي أصول عربية، أتوا من شرق إفريقيا، واستوطنوا البرازيل، وقد حذا حذوه عالم الأجناس الدكتور ماسوري، فأشار إلى أنه على يقين بوصول العرب إلى العالم الجديد قبل كولومبس ب:500 سنة على الأقل، وقال بأنه قد توصل إلى ذلك بعد عثوره في كهوف (الباهاما) بخليج المكسيك، على جماجم تعود لسكان عرب، استوطنوا المنطقة قبل500سنة على مجيء كولومبس.

وتطرق الباحث السوري الدكتور سمر روحي الفيصل، الأستاذ بجامعة الإمارات، من خلال بحثه لسيرة العلاّمة اللغوي ابن دريد الأزدي، وإنتاجه الأدبي واللغوي، فأكد أنه واحد من من أبرز أعلام القرنين الهجريين الثالث والرابع، وقد اتصف بالوفاء لأساتذته، وقد خلف أثراً إيجابياً في عدد كبير من تلاميذه، فقد قدم إنتاجاً جديداً نافعاً ضمن له البقاء والمحافظة على الأهمية في التراث العربي الإسلامي، فليس غريباً أن يحرص المعاصرون، عرباً ومستشرقين، على تحقيق ما يملكون من مخطوطات كتبه ورسائله، وأن يستمروا في البحث عن مخطوطاته التي عرفوا عناوينها دون أن يتمكنوا من العثور عليها، وقد أشار الباحث إلى أن الجهود الطيبة التي بذلها المحققون المعاصرون نجحت في إحياء ابن دريد الأزدي العُماني، وفي تشجيع الباحثين على دراسة سيرته وجهوده الأدبية واللغوية، إلى درجة أن المرء يكاد يعتقد-أول وهلة- أن المقدمات التي كتبها المحقِّقون، والدراسات التي ألفها الباحثون، أحاطت بجهود ابن دريد كلّها، ولم تُبق شيئاً يمكن أن يقال في هذا العالم الموسوعي، بيد أن النظرة الكلية إلى هذه المقدّمات والدّراسات تنفي هذا الاعتقاد، وتُرسخ مقولة مغايرة، هي أن الدارسين لم يحيطوا بعد إحاطة علمية منهجية بما قدمه ابن دريد في حقلي الأدب واللغة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015