ملتقي اهل اللغه (صفحة 11235)

((هو كتاب لم يرو على وجه الأرض كتاب في الحديث أعلى منه)) اهـ. كما جاء ذلك في كتابه [المصعد الأحمد].

ولعل أبلغ الأقوال في بيان مكانة هذا الكتاب هو ما قاله مؤلفه رحمه الله تعالى.

فقد قال عبدالله ابنه: ((قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت "المسند"؟

فقال: عملت هذا الكتاب إماما, إذا اختلف الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رُجعَ إليه)).

وقال حنبل ابن إسحاق: ((جمعنا عمي, أنا وصالح وعبدالله, وقرأ علينا "المسند", وما سمعه منه - يعني: تامًا - غيرنا, وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من (750) ألفًا, فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه, فإن كان فيه وإلا فليس بحجة)).

[((خصائص المسند)) للمديني ص 4 - 5]

وقال فضيلة الشيخ شعيب الأرنؤوط في مقدمته لطبعة ((مؤسسة الرسالة)):

((استقطب "مسند الإمام أحمد" اهتمام العلماء في كافة الأمصار والأعصار, وضربوا لسماعه أكباد الإبل, ولقي من حفاوتهم وعظيم اعتنائهم وحرصهم على قراءته أو قراءة جزء منه ما يقضي منه المرء العجب العجاب, بل إن بعضهم قد حفظه كله بالرغم من أنه يقرب من (30) ألف حديث, وما ذاك إلا لأن هذا "المسند" قد حوى معظم الحديث النبوي الشريف - المصدر الثاني من مصادر شريعة الإسلام - فقد جمعه مؤلفه رحمه الله وانتقاه ليكون مثابة للناس وإماما, وصرح بذلك فقال: ((عملت هذا الكتاب إماما, إذا اختلفت الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رُجع إليه)) وهكذا كان, فقد رزق هذا "المسند" من الشهرة والقبول ما لم ينله كتاب آخر من المسانيد)).

ترتيب أحاديث "المسند":

الأصل أن تكون أحاديث الصحابي الواحد في مكان واحد, وعلى هذا قام ترتيب الكتاب.

ومع ذلك فمن أتيح له قراءة الكتاب فسوف تستوقفه الأمور التالية:

- إدراج أحاديث بعض الصحابة في مسانيد غيرهم.

- تكرار بعض الأحاديث سندًا ومتنًا.

- تفريق أحاديث الصحابي الواحد في أكثر من موضع في "المسند".

- تباعد روايات الحديث الواحد عن بعضها بحيث يفصل بينها أكثر من ألف حديث أحيانًا.

ولعل السبب في ذلك هو ما أوضحه شمس الدين ابن الجزري في كتابه [المصعد الأحمد] بقوله:

((إن الإمام أحمد شرع في جمع هذا "المسند", فكتبه في أوراق مفردة, وفرقه في أجزاء مفردة على نحو ما تكون المسودة, ثم جاء حلول المنية قبل حصول الأمنية, فبادر بإسماعه لأولاده وأهل بيته, ومات قبل تنقيحه وتهذيبه, فبقي على حاله)).

وهو قول يوافقه عليه كل من قرأ "المسند".

الأحاديث الضعيفة في "المسند":

ما من شك في أن "المسند" قد حوى كثيرًا من الأحاديث الضعيفة, وقد صرح الإمام أحمد نفسه بذلك عندما شرح منهجه لابنه عبدالله في جمع "المسند" فقال:

((قصدت في "المسند" الحديث المشهور, وتركت الناس تحت ستر الله تعالى, ولو أردت أقصد ما صح عندي, لم أروِ من هذا "المسند" إلا الشيء بعد الشيء, ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث, لست أخالف ما ضعف, إذا لم يكن في الباب ما يدفعه)). [((خصائص المسند)) ص 27].

وقال الإمام أحمد أيضًا - كما في ترجمته في شذرات الذهب -:

((إذا جاء الحديث في فضائل الأعمال وثوابها تساهلنا في إسناده, وإذا جاء الحديث في الحدود والكفارات والفرائض تشددنا فيه)).

ومن هذين النصين يظهر موقف الإمام أحمد من الأحاديث الضعيفة, فهو يقبلها في حالتين:

- إذا كانت في ميدان فضائل الأعمال ولا يقبلها في الأحكام.

- إذا كان الحديث ضعيفًا ولم يكن في الباب ما يدفعه؛ أي: إذا لم يخالف القواعد العامة, ولم يعارض حديثًا صحيحًا في الباب.

الطبعات الحديثة للـ "المسند":

كثيرة هي الطبعات التي ظهرت للـ "المسند", ومن آخر ما ظهر طبعتان:

الأولى: صدرت عن ((مؤسسة الرسالة)) بإشراف وتحقيق وعناية فضيلة الشيخ شعيب الأرنؤوط ورفاقه, وتقع في خمسين مجلدًا, منها خمسة للفهارس.

وهي جهد كبير مشكور أثاب الله القائمين عليه, فهي من أحسن ما ظهر من طبعات "المسند".

الثانية: صدرت عن ((دار المنهاج)) في جدة, وتقع في (12) مجلدًا, إضافة إلى مجلدين للفهارس, وهي في مجلداتها من القطع الكبير والحرف الصغير, وعدم الفصل بين الأحاديث كما كان شأن الطبعات القديمة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015