والواضح أن الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري قد أخذ علمه على من كانت لهم شهرة واسعة وذيوع كبير في مجال خدمة الثقافة العربية الإسلامية, هؤلاء الشيوخ الذين كان لهم الباع الكبير في تكوين شخصيته وتزويده بكم هائل من علوم عقلية ونقلية كان لها بالغ الأثر في إثراء ملكته العقلية والعلمية أكثر وهو ما جعلها فيما بعد في متناول تلاميذه الذين درسوا عليه.
1/- شيوخه:
- والده الشيخ محمد الصغير, أخذ عنه الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري مبادئ علم الحساب والفرائض مشافهة, حيث تمكن بعد فهمها واستيعابها من نظمها في متن سماه "الدرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء".
- أخوه أحمد بن محمد الصغير, وهو أكبر إخوته أخذ عنه أمور الفقه والمنطق والبيان ولم يخلف وراءه تأليفا. - الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي الخروبي فقيه ومحدث وصوفي ولد بقرية قرقاش من قرى طرابلس الغرب بليبيا ونشأ بالجزائر سنة959هـ, أخذ عنه الأخضري واستفاد منه وتلقى على يديه ورد الطريقة الشاذلة والزروقية, له رسالة ذوي الإفلاس إلى خواص أهل فاس, والأنس في التنبيه عن عيوب النفس ومزيل اللبس عن آب وأسرار القواعد الخمس, توفي سنة 963هـ (13). - الشيخ عبد الرحمن بن القرون أحمد مرابطي قرية لياشنة الواقعة بالقرب من مدينة طولقة استفاد منه الأخضري كثيرا, ودس على يديه (14).
- الشيخ عمر بن محمد الكماد المعروف بالوزان (15) , كان من أكابر علماء قسنطينة, فقيه وصوفي وعالم في المعقول والمنقول, من تأليفه البضاعة المزجاه, وفتاوى في الفقه والكلام, وحاشية على صغرى السنوسي.
وفاته:
رغم هذا العطاء السخي للشيخ عبد الرحمن الأخضري من تأليف لعدد من المصنفات في شتى العلوم والفنون ورحلات علمية صال وجال من خلالها من أجل تحصيل العلم, وتلك الخلوة والانعزال التي حببت إليه وكانت في بعض الأحيان سببا في تأليف العديد مصنفاته, شاء القدر أن يرحل إلى تلك الدار الأبدية.
غير أن السنة التي توفي فيها في الشيخ عبد الأخضري بدت غامضة بعض الشيء عند أكثر من ترجموا له, حتى أن بعضهم اكتفى بأن وفاته كانت في القرن الخامس الهجري (16). وعلى هذا الأساس نلاحظ تباينا واضحا في تحديد سنة الوفاة في حل المصادر التي ترجمت له غير أن الراجح منها هو 983هـ/1575م. وهو ما ذهب إليه كل من حاجي خليفة والزركلي ومحمد شطوطي, وعادل نويهض فيما استدركه من كتابه معجم أعلام الجزائر, بعدما ثبت له خطوة في السنة التي ذكرناها سابقا.
رغم هذا التباين المتضارب في الآراء حول وفاة الشيخ عبد الرحمن الأخضري إلا أننا نرجح كما سبق ذكره انه عاش إلى بداية الثمانين من القرن العاشر الهجري, فكانت وفاته سنة 983هـ هذه أثناء تواجده بـ"كحال" (17) , ثم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه بناء على وصيتة أوصى بها تلاميذه أثناء مرضه, دفن –رحمه الله- بجوار "محمد عامر" ووالده الصغير "أحمد بن محمد الصغير", ولا يزال ضريحه قائما إلى اليوم بزاوية جده بقرية "بطنيوس" وزار قبره الحسين الورتلاني (18) , حيث يقول: "وقد زرت قبر الشيخ سيدي عبد الرحمن, وله تآليف كثيرة ومفيدة وهو من العارفين بالله تعالى شرقا وغربا".
يعد الشيخ عبد الرحمن الأخضري من بين أولياء الله الصالحين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى: "ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (19) والذين أفنوا عمرهم في خدمة العلم ثانيا. وما أحوج بلادنا اليوم لمثل هؤلاء الرجال العلماء العظام الذين يرجع لهم الفضل الكبير في نشر كثير من فنون العلم التي اندثرت زمنا وعادت إلى الوجود بفضل الله ثم بفضلهم.
مؤلفاته:
مؤلفات الأخضري تزيد عن العشرين مؤلفا بين متن وشرح أو تربو عن الثلاثين كما جاء ذلك في مقال للمهدي البوعبدلي (20) منها ما هو مطبوع طبعات قديمة أو حديثة، ومنها ما هو مخطوط ينتظر الطبع ومنها ما تعرض للضياع والتلف.
1/- الجوهر المكنون في الثلاثة فنون:
عبارة عن متن يحوي علوم البلاغة من بحر الرجز يقع في 291 بيتا وعليه شروح منها شرح الأخضري نفسه وهو شرح بالغ الأهمية. (21)
2/- السراج في الهيئة:
وهو عبارة عن نظم من البحر الطويل موضوعه علم الفلك: نظمه سنة (939هـ) وهو ابن تسعة عشر سنة وجاء فيه:
أقول وفضل النفس في الصدر أوقع
وقد جعل الله الكواكب زينته
وفي الحق ما يخفر إليه ويسمع
تروق عيون الناظرين وتقرع
¥