ملتقي اهل اللغه (صفحة 11130)

غير أن هناك مصادر أخرى لم تطلعنا على تاريخ ولادته ولا تاريخ وفاته, وهذا ما نلحظه في كل من تعريف الخلف برجال السلف, شجرة النور الزكية, معجم المطبوعات العربية والمعربة, دائرة المعارف الإسلامية, واكتفى أصحاب هذه المصادر بالإشارة إلى أنه من أعلام القرن العاشر الهجري, وهذا نظرا لاكتناف الغموض لشخصية الشيخ عبد الرحمن الأخضري. ففي الحفناوي "لم أطلع على ما ترجمته"7وفي دائرة المعارف الإسلامية" مؤلف عربي لم نعرف عن حياته شيئا" (8).

فالخلاف حول ميلاه ليس لافا كبيرا كما هو جلي لدى العام والخاص, لكن إذ رجعنا إلى منظومته المسماة بـ"السلم المرونق" تأكدت لنا الرواية الصحيحة حول تاريخ ميلاده, إذ يقول في نظمه هذا: (9)

ولبني إحدى وعشرين سنة معذورة مقبولة مستحسنة لا سيما في عاشر القرون ذي الجهل والفساد والفنون وكان في أوائل المحرم تأليف هذا الرجز المنظم من سة إحدى وأربعين من بعد تسعة من المئينة، ومن هنا ندرك كل الإدراك على أن ولادته كانت سنة 920هـ على أصبح الروايات المذكورة أنفا, وربما هذا الرجز هو اعتمده بعض المؤرخين كمعيار أو كسند رسمي في إثبات سنة ولاته (10).

لقد نشأ الشيخ عبد الرحمن الأخضري نشأة علمية تميزت بالعلم والصلاح, فساعده محيطه على أن يتبوأ من العلم مقعدا مرموقا شغوفا, على حب العلم مسخرا حياته للعلم وحده.

ونلمس ذلك من خلال والده محمد الصغير الذي اكتنفه بالرعاية والتعليم والتربية والتهذي, ساعده في ذلك فطانته وذكاؤه ومنثم حرصه على المعرفة منذ حداثة سنه, إما بالاجتهاد والمثابرة وإما بالمطالعة والمذاكرة في شتى الفنون, فجمع بين العلوم العقلية والنقلية منها حدا سواء, يقول سركيس" عالم زاهد مرع ذو قدم راسخ في المعقول والمنقول". (11)

ومن خلال رحلاته التي اكتسبت نضجا وإدراكا, سفره إلى تونس وبالضبط بجامع الزيتونة ليكتمل المراد, فقد كان احتكاكه بالعلماء ومجالسته لهم, أثر بالغ على شخصيته فراح ينهل علمه وبسرخه من مشارب مختلفة جعلته ملما بالمعرفة, منكبا على فهمها واستيعابها, وما لبث أن عاد إلى بنطيوس ليشد الرحال مرة أخرى إلى قسنطينة, لما كانت تزخر به من جهابذة العلماء آنذاك فالتقى بعلمائها وتدارس معهم وأخذ عنهم, بعدها رجع إلى بنطيوس واستقر بها وجعل من الزاوية التي أسسها جده "محمد بن عامر" مدرسة علمية ذات إشعاع علم ساطع نوره في الآفاق حيث اعتكف على التدريس وتلقين دروس العلم للطلبة وتخريج العلماء فكانت بحق أكبر مدرسة علمية يشيدها الشيخ عبد الرحمن الأخضري وتجلب أنظار العديد من طلاب العلم, فراحوا يتوافدون من كل فج عميق من بقاع القطر, فكانت تصله الوفود الكثيرة فمثلا من نواحي: وادي ريغ (بضواحي المغير) من جهة الجنوب ومن قسنطينة ونواحيها, وكل من كانت له رغبة في تحصيل العلم.

وقد حببت الخلوة إلى الشيخ الأخضري فكان زاهدا عاكفا على العبادة, فكان يصول ويجول من حين لآخر إلى الجبال القريبة من بلدته التي كان يجد بها الراحة التامة, والزيادة على شعوره بالصفاء الروحي ونه, وتأمله في قدر الله تعالى. وهو ما كان مدعاة له في التأليف بعض مصنفاته, ومن هذه الجبال التي كان يأوي إليها الشيخ عبد الرحمن الأخضري جبل "أحمد حدو" الذي هو جزء من سلسلة جبال الأوراس المشرفة على الصحراء, جبل "عياض" وهو أيضا من جبال الأوراس, إضافة إلى الهضاب العليا بسطيف والتي كانت تشكل مكانا خصبا للانعزال والخلوة.

وكما سبق ذكره آنفا أن هذه الأماكن كانت دافعا أساسيا لتأليف عددا من اكتسب مثال الدرة البيضاء التي ألفها بجبل أحمد حدو, واتم شرح علم البيان من كتابه الجوهر المكنون** بجبل عياض, حيث نجده يقول في شرحه: "وكان الفراغ من هذا الفن عشية الجمعة المباركة آخر يوم من ربيع الثاني عام اثنين وخمسين وتسعمائة ببعض بلاد جبل عياض" (12).

شيوخه وتلاميذه:

إن موسوعية الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضري, وتطلعه في علوم شتى وحبه للعلم والمعرفة جعلته يتطلع إلى أفق أوسع وأشمل من سابقيه, فنهل علمه من مجموعة من الشيوخ العلماء, الذين لم تتناول كتب التراجم الجوانب الأساسية من حياة هذا الرجل العلامة, فأكثرها لم يتعرض بإسهاب كبير لشيوخه وتلاميذه, ولم تصرح حتى بأسمائه ولا أسماء من أخذ عنهم ولا أسماء من تتلمذوا أو تخرجوا على يديه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015