وقد مثلت هذه المرحلة مرحلة نضج وكمال من حيث استكمال الأسباب العلمية، واصطناع الوسائل الفنية المعنية على إخراج التراث إخراجاً دقيقاً يقوم على جمع نسخ الكتاب المخطوطة والمفاضلة بينها، ثم اتخاذ إحدى النسخ أما أو أصلاً، وإثبات فروق النسخ الأخرى، وما يتبع ذلك من إضاءة النص ببعض التعليقات والشروح، وصنع الفهارس التحليلية الكاشفة لكنوز الكتاب، وما يسبق ذلك كله من التقديم للكتاب، وبيان مكانته في المكتبة العربية، وموضعه من كتب الفن الذي يعالجه تأثيراً وتأثيراً، ثم الترجمة لمؤلفه.
وأهم رموزها الشيخ أحمد محمد شاكر، وأخوه "شيخ العربية" محمود محمد شاكر، والأستاذ عبد السلام محمد هارون، والأستاذ السيد أحمد صقر.
وقد كان ظهور "الرسالة" للإمام الشافعي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر سنة 1939 م إيذاناً ببدء مرحلة جديد من النشر العلمي للتراث المستكمل لكل أسباب التوثيق والتحقيق، ومرحلة جديدة فيما يظهر للناس في تلك الأيام، ولكنها موصولة الأسباب والنتائج بما سنة الأوائل وأصوله.
وقد نشر الشيخ- رحمه الله- الكتاب عن أصل بخط الربيع بن سليمان صاحب الشافعي، وقد جرى الشيخ في تحقيق "الرسالة" على أعدل المناهج وأقومها من حيث التنبه الشديد لما بين النسخ في فروق، وإضافات النساخ فيما خفي ودق، وربط كلام الشافعي -رحمه الله- في هذا الكتاب بكتبه الأخرى، وتوثيق النقول، وتحرير المسائل، والعناية الفائقة بالضبط، وصنع الفهارس الفنية التي شملت آيات القرآن الكريم، وأبواب الكتاب على ترتيبها، والأعلام، والأماكن، والأشياء من حيوان ونبات ومعدن ونحو ذلك، والمفردات المفسرة في الكتاب، والفوائد اللغوية المستنبطة منه، ومواضيع الكتاب ومسائله في الأصول والحديث والفقه على حروف المعجم. ولكن أهم أنواع هذه الفهارس التي نشرها الشيخ الجليل فهرس الفوائد اللغوية لكون الشافعي حجة في اللغة.