وإن مقام مثلي في الأعادي ... مقام البدر الكلاب
رمَوني بالعيوب ملفَّقاتٍ ... وقد علموا باني لا أُعابُ
وأني لا تُدنِّسني المخازي ... وأني لا يروعِّنس السِّبابُ
ولما لم يُلاقوا فيَّ عيباً ... كَسوني من عيوبهم وعابُوا
وقد ادَّخرت نَصَّين من كلام محمود شاكر يدينان هذه النابتة التي نبتت في أرض بلادنا وتسمَّت بالجماعات الإسلامية. وهذان النصان يكشفان عن توجه محمود شاكر الفكري وإدانته لطائفة من أبناء دينه، بعيداً عن لويس عوض والمسيحية وسائر ما يدمغه به القوم.
يقول رضي الله عنه في مقدمة تحقيق أسرار البلاغة: "بل بلغت الاستهانة مبلغها في الدين، بعدما نشأ ما يُسمُّونه بالجماعات الإسلامية، فيتكلم متكلمهم في القرآن وفى الحديث بألفاظ حفظها عن شيوخه، لا يدري ما هي، ولا يرد بل يكذب أحاديث البخاري ومسلم بأنها من أحاديث الآحاد، بجرأة وغطرسة!
بل جاء بعدهم أطفال الجماعات الإسلامية، فيقول في القرآن والحديث والفقه بما شاء هو، ويرد ما قاله مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل، ويقول: نحن رجال وهم رجال! بل تعدى ذلك إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ نفسه، فيقول: نحن رجال وهم رجال!
أي بلاء حدث في زماننا هذا؟ إنما هو وباء الاستهانة بكل شيء، وباء تفشى في مصر، بل تجاوزها، ورحم الله أبا العلاء المعري، وذكر وباءٌ نزل بمصر وغيرها فقال:
ما خَصَّ مصراً وَبَأٌ وحدَها ... بل كائنٌ في كلِّ أرضٍ وَبأْ
انطفأ سراج العلم، وسراج الخُلُق، وبقيت العقول في ظلمات بعضها فوق بعض. أيُّ نكبة نزلت بعلوم هذه الأمة العربية الإسلامية على يد الصغار في حقيقتهم، الكبار في مراتبهم التي أنزلتهم إياها تصاريف الزمان، فأطلقوا ألسنتهم في مواريث أربعة عشر قرناً، بالاستهانة والقدح والازدراء".