رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أُنزلت. ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أُنزلت. إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسَّر منه".
هذا وقد ذكر الطبري في مقدمة تفسيره آثاراً أخرى في اختلاف القراء فيما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه الآثار تدل كلها على أن القراءات مأخوذة بالتلقي والمشافهة والسماع من فمه الشريف صلى الله عليه وسلم، وإنما اختلفت القراءات عنه صلى الله عليه وسلم تيسيراً على أمته وتخفيفاً، مراعاة لاختلاف لغات القبائل، أي لهجاتها.
الدليل الثاني: لو كان خلو المصاحف من الشكل والإِعجام سبباً في تنوع القراءات واختلافها، لكان القارئ الذي يقرأ الكلمة وفق رسم معين، يلتزمه في أمثاله ونظائره حيث وقع في القرآن الكريم، ولم يحدث هذا، وإليك مثالاً واحداً: قوله تعالى في فاتحة الكتاب: {مالك يوم الدين}، وقوله سبحانه: {قل اللهم مالك الملك}، وقوله تعالى في سورة الناس: {ملك الناس}، فلو تأملت المواضع الثلاثة في المصحف لوجدت الكلمة فيها كلها هكذا "ملك" بالميم واللام والكاف فقط، ولكن حفصاً يقرأ عن عاصم، في الفاتحة "مالك" بالألف بعد الميم، وكذلك يقرأ آية آل عمران، أما في سورة الناس فيقرأ "ملك" من دون الألف، فلو كان حفص يقرأ وفق رسم المصحف لقرأ في المواضع الثلاثة "ملك"، ولكنه يقرأ بالرواية المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قد تختلف القراءات أحياناً، لغة ونحواً، وهكذا يبدو للناس في ظاهر الأمر، ولكن الاختلاف في الحقيقة راجع إلى التلقي والرواية، لا إلى القاعدة اللغوية أو النحوية، وهذا مثال واحد:
قال الله تعالى: {وكلاً وعد الله الحسنى} جاءت هذه الآية في موضعين: سورة النساء 95، وسورة الحديد 10، ويقرأ القراء جميعاً (كلَّا) بالنصب في الآيتين، لكن ابن عامر يقرأ آية النساء بالنصب، كسائر القراء، أما آية الحديد فيقرأها وحده (وكل) بالرفع، وللنحويين في توجيه الرفع والنصب كلام. فلو كان ابن عامر يقرأ وفق