القاعدة النحوية لقرأ الآيتين بالرفع، ولكنه قرأ بالرواية التي تلقاها هو بالتواتر عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرة بالنصب ومرة بالرفع، مع أن تركيب الآية واحد في الموضعين.
ومثال ثان: الإِمالة ظاهرة صوتية، وهي "أن تنحي بالألف نحو الياء، فيلزم أن تنحي بالفتحة قبلها نحو الكسرة"، وهي لغة بعض القبائل العربية، وقد قرأ بها بعض القراء، والتزموها حيث وجدت دواعيها في القرآن الكريم، لكن حفصاً الذي يقرأ بقراءته كثير من المسلمين الآن بروايته عن عاصم، لم يقرأ بالإِمالة إلا في موضع واحد من الذكر الحكيم، وهو قوله تعالى من الآية 41 من سورة هود {بسم الله مجريها ومرساها}، وهكذا يختلف القراء ويتفقون، بحسب الرواية والتلقي، وليسْ بحسب رسم المصحف أو الوجه النحوي أو اللغوي، صحيح أن هذين في الاعتبار، ولكن بعد ثبوت الرواية بالتواتر والسند الصحيح، ولذلك قالوا إن للقراءة المقبولة ثلاثة شروط: التواتر بالسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموافقة الرسم العثماني، وأن يكون للقراءة وجه صحيح من العربية، فإذا سمعت قراءة مسندة لواحد من القراء السبعة أو العشرة، كأن يقال: قراءة نافع أو عاصم أو الكسائي، فلا تظن أنها من اختراعه أو ابتداعه، ولكنها اختياره الذي ارتضاه من طريق الرواية المسندة الصحيحة، ولذلك أُثر عن أبي عمرو بن العلاء - وهو أحد القراء السبعة - قوله: "لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ به لقرأت كذا وكذا. وذكر حروفاً".
ويريد أبو عمرو أن القراءة سنة وإتباع وأثر، ولا دخل فيها للسليقة أو الاستحسان اللغوي أو الترجيح النحوي أو رسم المصحف. ومن ثم يرى كثير من العلماء أن ترجيح قراءة متواترة على قراءة متواترة لا يجوز؟ يقول أبو العباس ثعلب: "إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعراباً على إعراب في القرآن، فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى"، راجع الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي 1/ 48 - 4/ 563.