البداية والنهاية 10/ 348، و "تترى" في موضع الصفة لثلاث، أي ثلاثاً متتابعة متواترة.
وقال ابن قلاقس، الشاعر الإِسكندري المتوفى سنة 567 هـ، يمدح الحافظ أبا طاهر السِّلَفي:
يا من أياديه تترى ليس يجحدها ... إلا أناس لفضل الله قد جحدوا
وقال أيضاً يمدحه:
ظل ذا لوعة وحزن ووجد ... وعليل وحرقة واشتياق
ودموع تترى وقلب عميد ... راعه لمع مبسم براق
ديوانه ص 301، 486، والتقدير: يا من أياديه متواترة، ودموع متواترة. ثم نعود إلى بيت أحمد شوقي، الذي بدأنا به الكلام:
والآي تترى والخوارق ... جمة جبريل رواح بها غداء
وقد أشرت إلى أن شارح الديوان قد فسر الكلمة بأن معناها: تتوالى، فأوهم بذلك أن الكلمة فعل. وقد يظن ظان أن أحمد شوقي وقع فيها، وأنا أعيذه من ذلك؟ فالرجل كان ذا ثقافة لغوية عالية جداً، وقد أخبرني شيخي محمود شاكر رحمه الله أن أحمد شوقي كان كثير النظر في "لسان العرب"، وأخبرني الأستاذ مصطفى حجازي عضو مجمع اللغة العربية أن الشيخ سليم البشري أحصى ألف لفظة من الكلام الغريب الفصيح أحياها أحمد شوفي في شعره، فبعيد جداً أن يتوهم هذا الشاعر الكبير فعلية "تترى"، وتأويلها في بيته المذكور أن تكون خبراً للآي، والتقدير: والآي متواترة، أو تكون حالاً من فاعل فعل محذوف معه، ويكون تقدير الكلام: والآي تجيء تترى ويستأنس لذلك بما ورد من كلام معاوية "إن السيل إن جاء تترى".
ولا يبقى إلا دفع شبهة تتصل باشتقاق هذه الكلمة "تترى"، والجنوح بها نحو الفعلية:
نقل ابن منظور في لسان العرب عن ابن الأعرابي "ترى يترى: إذا تراخى في العمل، فعمل شيئاً بعد شيء"، وقد نقل ابن منظور ذلك الكلام في موضعين من