فهذه أمثلة من دوران الكلمة في الكلام المنثور، أما مجيئها في الشعر فهو كثير جداً، اجتزئ منه ببعض الأمثلة. فمن أقدم ما رأيته منه قول الحارث بن وعلة الجرمي (جاهلي):
ولما رأيت الخيل تترى أثائجا ... علمت باًن اليوم أحمس فاجر
أثائجاً: جماعات. وأحمس: شديد. وفاجر: يركب فيه الفجور. شرح المفضليات للأنباري ص 330، وقال الشيخان: أحمد شاكر وعبد السلام هارون، في حواشي المفضليات ص 166، "تترى: متواترين، وهي من المواترة، وهي المتابعة ... ويخطئ كثير من الكتاب في عصرنا، فيظنونها فعلاً مضارعاً، ويضعونها موضعه".
وقال سويد بن جدعة (جاهلي أيضاً):
ونحن نفينا خثعما عن بلادها ... تقتل حتى عاد مولى شريدها
فريفين فرقاً باليمامة منهم ... وفرقاً بخيف الخيل تترى خدودها
شرح المفضليات ص 114، ولا يخدعنك تقدم "تترى" هنا على الاسم، فتظن أنها فعل، وإنما الكلام على التقديم والتأخير، والأصل: "خدودها تترى" بدليل نظم البيت السابق "عاد مولى شريدها"، وإنما الكلام: "عاد شريدها مولى "، والمولى: هنا العبد. ثم لا يخدعنك أيضاً شرح أبي العباس ثعلب لتترى، بقوله: "تترى، تتبع بعضها بعضاً" حيث فسر بالفعل، فإنه شرح على المعنى.
وقول الشاعر: "خدودها" لم يشرحوه، وأرى أنه هنا جمع خد، وهو الجمع من الناس، فالخدود هنا: هي الجماعات، وليست تلك التي في الوجه.
وذكر ابن كثير عن ابن عساكر، أن سعدى بنت كريز خالة عثمان بن عفان، قالت له تبشره، وتنبئه بزواجه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أبشر وحييت ثلاثاً تترى ... ثم ثلاثاً وثلاثاً أخرى