فكنت أصحِّحه لهم وأبين وجه الصواب فيه، وأكثر ما كنت أرى ذلك في مناقشة الرسائل الجامعية، حتى استشرى الأمر، ورأيت بعض كبار كتابنا يقع فيه، ومن ذلك ما قرأته لكاتب عالم كبير، قال: "تترى الثورات العلمية وتتواتر"، وقد كنت أخشى من تنبيهه على هذا الخلط، ولكنه سعد كثيراً لذلك التصحيح، وهذا شأن العلماء، فقلت له: "ولست أول سار غرََّه القمر"، فقد وقع كثير من الناس في هذا الخلط، وقد اخبرني عالم اللغة العراقي الدكتور إبراهيم السامرائي أن الدكتور طه حسين وقع في هذا الخطأ واستعمله، ونبَهه أحد قرَّاء مجلة "الرسالة" وأنا أشك في ذلك، ولكن العهدة على الدكتور السامرائي.

ومهما يكن من أمر فقد رأيته واجباً متعيناً عليّ أن أبينه للناس ولا أكتمه، ولكني كنت أسوِّف حتى سألني ذات صباح قريبٍ صديقي عبد الرحمن شاكر، عن تلك الكلمة، من أي أنواع الأبنية هي؟ وما سأل عنها الصديق إلا لأنها حاكت في صدره حين لم يجد لها تصريفاً في الفعل الماضي أو الأمر، فقلت له: إنها اسم .. فقال: كيف وشارح ديوان شوقي يقول في الحاشية: "تترى: تتوالى" ففسرها بالفعل. فقلت له: هذه هي المشكلة، فإن بعض الأقدمين قد فسرها بالفعل أيضاً، على ما يأتي تفصيله. وهنا قلت: لا بد من بيان يكشف وجه الصواب في هذه الكلمة.

وستدور مقالتي - إن شاء الله - حول ثلاث نقاط: تأصيل الكلمة وبيان اشتقاقها، وتحرير معناها، وذكر شواهدها من النثر والشعر، وإعرابها في سياقها، ثم دفع شبهة.

يقول علماء الصرف: تترى، اسم، وأصلها: وترى، فالتاء الأولى مبدلة من واو؟ لأنها من المواترة، وإبدال التاء من الواو كثير شائع في العربية، مثل تراث، وأصلها: وراث؟ لأن الفعل ورث، وتقاة، أصلها: وقاة؛ لأن الفعل وقى، وتخمة؛ أصلها: وخمة؛ لأنها من الوخامة، وتجاه، أصلها: وجاه؛ لأنها من الوجه، ونظائر أخرى كثيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015