الموسيقى العربية يوم الثلاثاء كل أسبوعين في أوائل الستينيات، وهذه الجلسة كان يشهدها حراس الطرب القديم، مثل عباس البليدي وعبده السروجي وطبقتهما، وأنماط غريبة من عجائز الرجال والنساء، شهود عصر النغم الذهبي في مصر المحروسة. ولعل جلسة الطرب هذه هي التي أوحت إلى الراحل الكبير عبد الحليم نويرة بفكرة "فرقة الموسيقى العربية" التي يرى بعض أهل زماننا من المتفلسفة أنها قامت لتغطية هزيمة 67، بالبحث عن أمجاد قديمة، وهو إغراق في التفلسف والهرطقة.

كاشفت ذلك السَّمَيع الكبير عن حيرتي في البحث عن محلل لصوت الشيخ مصطفى وأم كلثوم، فقال لي: عليك بكاتب عظيم اسمه "كمال النجمي" فستجد عنده ضالتك ومأمولك، وقمت من فوري ألتمس كتابات هذا الرجل، وجمعت ما تيسر لي منها وعكفت عليها، فانفتح أمامي باب ضخم من أبواب المعرفة النغمية والصوتية بكلام عال نفيس مباين لكل ما يكتبه الكاتبون في هذه الأبواب، وكان أول ما قرأته له كلام عن الأصوات العربية من الرجال، وكان مما قاله: إن أكمل الأصوات العربية من الرجال هو المطرب اللبناني وديع الصافي، ثم يليه مباشرة صوت الشيخ مصطفى إسماعيل، ثم قدم لذلك بشواهده ودلائله، وقد مكن هذا الكلام للشيخ مصطفى في نفسي، ثم دلني أيضاً على وديع الصافي، وكنت في غفلة عنه.

وهكذا ظللت أتتبع كلام النجمي عن المقامات الغنائية والمسارات اللحنية والفروق بين القراء بعضهم مع بعض، وكذلك أهل المغنى في التصرف بهذه المقامات والانتقال من بعضها إلى بعض، والقَفْلات والعَفْق والعُرَب، وطبقات الصوت، من الفرار والجواب وجواب الجواب.

ولقد يكتب بعض الناس عن هذه المصطلحات، ولكن يظل الفرق واضحاً بين ما يكتبونه وما يكتبه النجمي، إن النجمي صاحب خلفية فنية ضخمة، ثم هو يأوي إلى ركن شديد من المعرفة النغمية الممتدة الضاربة بعروقها في التاريخ. والشواهد على ذلك من كتاباته كثيرة، من أبرزها ما كتبه عن غناء زرياب والموصلي، ثم هذه السياحة الطويلة في كتاب أبي الفرج الأصبهاني "الأغاني"، ومن الدلائل أيضاً على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015