ومهما يكن من أمر: فقد خلا لي وجه الشيخ مصطفى والست أم كلثوم، أعب من صوتهما عباً، لكن إحساسي بعبقرية صوتهما كان إحساساً غامضاً، أو قل إنه كان إحساساً ساذجاً، يقف عند حدود الإِعجاب والطرب الذي يقنع بالاهات والتنهدات و (إيه الحلاوة دي) و (مفيش كده)، وإن كان قلبي يغلي بمشاعر الإِكبار لهذين الصوتين العجيبين، لكن يضيق صدري ولا ينطلق لساني، فلم أكن في ذلك الزمان قد عرفت صنعة الكتابة والإِبانة عما في النفس، وأيضاً فإني كنت أستشرف إلى من يأخذ بيدي لتحليل هذين الصوتين تحليلاً فنَيّاً يقوم على أسس ومعايير تتعدى هذا الإِعجاب الساذج الذي يستوي فيه العامة.

صحيح أنَ أذني في تلك الأيام كانت قد التقطت من مجتمعات السمِّيعة أسماء المقامات: السيكاه والصبا والنهاوند والراست والبياتي والحجاز، ولكن كيف تنزل هذه المقامات على منازلها، وكيف يتصرف أهل الطرب فيها، وتلفت حولي في ذلك الزمان فلم أجد من عُني بالشيخ مصطفى وإخوانه من قراء القرآن سوى الأستاذ محمود السعدني في كتابه الذي أصدره في سنة 1959 م باسم (ألحان من السماء)، والأستاذ السعدني سميع كبير وصاحب قلم سيّال، ولكنه صاحب دعابة، وإغراقه في الدعابة يميل به أحياناً عما ينتظره أهل الجد من التحليل والغوص في الكشف والإِبانة، ولذلك لم أجد عنده شيئاً ذا بال عن الشيخ مصطفى، وكذلك نظرت فيما كتب عن أم كلثوم، فلم أجد وقتها إلا كتاب الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، وقد شغلتني حلاوة بيانها عن كل شيء، والدكتورة نعمات صاحبة بيان آسر، وقلمها نديّ رقراق، ولكن الذي أريده عن أم كلثوم شيء آخر، فالذي قالته عن أم كلثوم لا يخرج عما قاله ابن الرومي في "وحيد" المغنية:

يسهل القول إنها أحسن الأشـ ... ـياء طراً ويعسر التحديد

(ديوانه 763)

وظللت أتقلب في حيرتي وعجزي حتى أذن ربك بالفرج وجاءني اسم "كمال النجمي" من فم سميع كبير كنت أراه في جلسة الطرب القديم التي كان يقيمها معهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015