وهذا خطأ محض، ووهم غليظ - وليغفر لنا الأستاذ الكبير هذه الأوصاف؟ لأن الأمر يتصل بكتاب ربنا عزّ وجل - ولعل أول من وقع في ذلك في عصرنا هو المستشرق المجري جولدزيهر (1850 - 1921 م) وذكره في كتابه "مذاهب التفسير الإِسلامي" ثم ردده من بعده المستشرق الأسترالي الأصل آرثر جفري، وذكره في مقدمة تحقيقه لكتاب "المصاحف" لابن أبي داود الذي نشره بالمطبعة الرحمانية بمصر 1355 هـ- 1936 م، وقد خُدع بذلك الرأي بعض الباحثين العرب، ومنهم الدكتور عبد الواحد وافي، رحمه الله، وذكره في كتابه "فقه اللغة" في طبعته الأولى، ولكنه عدل عنه في الطبعات التالية.
وقد رد هذا الرأي ودفعه الدكتور عبد الفتاح شلبي في كتابه "رسم المصحف العثماني" والشيخ عبد الفتاح القاضي، في كتابه "القراءات في نظر المستشرقين والملحدين".
وخلاصة الأمر في هذه الفضية: أن القراءات القرآنية كلها أساسها السند المتصل والرواية المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نزل به جبريل عليه السلام. فالقراءة سنة وإتباع وأثر، ولا دخل لرسم الحروف فيها، ولا دخل كذلك للغة ولا للنحو، وعلماء اللغة والنحو يحتجون للقراءات، أو يحتجون لها بعد ثبوتها بالرواية والسند الصحيح، وقد أشرت إلى شيء من ذلك في مقالة سابقة بالهلال (سبتمبر 1995 م) فلا أعيد ما ذكرته هناك. (أنظر ص 399).
لكني أذكر هنا مثالين لاختلاف القراءات تبعًا لاختلاف الرواية فقط، مع أن الرسم العثماني واحد غير مختلف:
المثال الأول: في قوله تعالى في فاتحة الكتاب {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4]، وقوله عر وجل: {قل اللهم مالك الملك} [آل عمران: 26]، وقوله سبحانه في سورة الناس: {ملك الناس}. فلو تأملت المواضع الثلاثة في