وكسرها على قسمين: درس في الأول منهما المناهج والمصادر، وجمع في الثاني كل شواهد النحو".
هذا وقد هُدي المؤلف الفاضل إلى تركيب قديم ضارب في التراث بعروقه، وهو ما ذكره في حديثه عن الخط العربي -ص 26 - قال: "ونحن نواجه قضية علمية لا بأس من إسقاط الروايات التي عجز أصحابها عن مواجهة المشكلة، ولم يصبروا على محنة البحث، فلاذوا بالأسطورة يجدون في رحابها التفسير والتعليل والرضا والراحة".
فقوله: "ولم يصبروا على محنة البحث" من التراكيب الدقيقة البديعة، وكنت قد علفت شيئاً شبيهاً به، وقع لي في كلام قديم، عمره أكثر من ألف عام، وذلك ما جاء في كلام للإِمام أبي سليمان الخطابي، وهو أحد أعلام العربية في القرن الرابع، ثم هو صاحب غريب الحديث، وإعجاز القرآن، وتوفي سنة "388 هـ"، قال في مقدمة كتابه غريب الحديث 1/ 57: "فحق على طالب الحديث أن يرفق في تأمل مواضع الكلام، ويحسن التأتي لمحنة اللفظ".
وهكذا تحيا الألفاظ والتراكيب العربية الفصيحة، وتنتقل من جيل إلى جيل، كما تجول النُطَف في الأصلاب الكريمة، وكما تنتقل الخصائص في السلالات الزاكية، ودعك من الذين يقولون بالأساليب التراثية، والأساليب المعاصرة، واستحداث المنافرة والمدابرة بينهما، فإنما هو العجز ولا شيء غير العجز.
وبعد: فهذا عرض سريع للكتاب يغري بقراءته، ولا يحيط بمحاسنه، ولم يبق إلا الاستجابة لما قاله المؤلف في خطبة كتابه من أنه سوف يكون سعيدا بأي ملاحظة لتقويم عمله وإصلاح ما قد يكون داخله من نقص أو خطأ.
وهو موضوع المقالة التالية إن شاء ربك.
* * *