يجب أن يفرط في مثله، وإن كان دونه - وذلك ما لا شك فيه - فتركه معجزة للقرآن فلا يجب التفريط فيه، فاستحسن الجماعة قوله، ووافقه ابن هبة الله على الحق وسكت".
فمثل هذا الكلام، وتلك الأخبار التي ملأ بها المؤلف الفاضل كتابه، مما يقوي ثقة أبنائنا بماضيهم وتراثهم، ويبعث فيهم الاعتزاز به، والحرص عليه، والدفاع عنه.
أما ما يندفع فيه بعض أساتذتنا وزملائنا الجامعيين، من نقد لعلوم الأمة ومعارفها، مع ما يصحب ذلك أحياناً من السخرية والاستهزاء، فهو مما لا يصح ولا يستقيم، ونعم إن في تراثنا مواضع للنقد والتتبع، وهو منقود من داخله من قديم، فقد اعترض على سيبويه إمام النحاة ونقد واستدرك عليه، وكذلك تعرض البخاري للنقد والتصحيح، وممن نبه على أوهامه الحافظ شرف الدين الدمياطي، عبد المؤمن بن خلف المتوفى بالقاهرة سنة "705 هـ"، وليس احد إلا وأنت آخذ من قوله وتارك - على ما قاله يونس بن حبيب - ولكن هذه الأمور ينبغي أن تنحى عن طلبة العلم في أول أيامهم، وتؤجل إلى أن يشتد عودهم ويستحصد زرعهم، حتى يستطيعوا أن يميزوا الخبيث من الطيب.
وقد زان هذه المعارف التي امتلأ بها الكتاب أسلوب مشرق، وبيان عذب، ارتفع بها المؤلف عن هذا الجفاف، وذلك العسر اللذين يشيعان في كتابات كثير من الجامعيين الآن.
وقد استحيا المؤلف بعض الأبنية والتراكيب الفصيحة التي يتحاشاها كثير من الكتبة الآن، استخفافاً بها، أو غفلة عنها، فمن ذلك استعماله الفعل "كسر" بمعنى قسم وفصَّل، وذلك قوله عن ابن النديم وكتابه الفهرست -ص 300 - "وقد كسر محمد بن إسحاق كتابه على عشر مقالات". وقوله عن المقَّري وكتابه نفح الطيب -ص 377 - "وكسره على ثمانية أبواب". واستعمل هذا الفعل الفصيح أيضاً في ص 145، فقال عن دراسة الدكتور حنا جميل حداد "شواهد النحو الشعرية" قال: