عاصمة - أعظم مركز للثقافة في أوروبا، وأن تنال شهرة عالمية تبعث الرهبة والإِعجاب، لقد كان لها واحد وعشرون ضاحية، وفيها سبعون داراً للكتب، مرصوفة الطرق، مضاءة الشوارع، زاخرة بالحمامات العامة، في الوقت الذي كانت فيه جامعة أكسفورد - مثلاً - ترى الاستحمام عادة وثنية ... وكانت وسائل الثقافة متاحة للناس جميعاً، وعلى حين لم يكن في بقية أوروبا من يعرف القراءة والكتابة، باستثناء رجال الكهنوت، كانت معرفتها أمراً عاديّاً وشائعاً في إسبانيا الإِسلامية، وقلّ فيها من كان أمِّيّاً" الكتاب ص 927.
ويقول عن محمد بن سلَّام صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء -ص 163 - : "كان حديثه المفصل عن الانتحال المعالم الهادية لما قام به المستشرقون في أواخر القرن الماضي، وأوائل هذا القرن، من دراسات عن صحة الشعر الجاهلي، ومن احتذى منهجهم وتبنى أفكارهم في العالم العربي، وكل الذين تحدثوا بعده في هذا الأمر كانوا عالة عليه، والفارق بين ابن سلَّام وبين العرب المعاصرين أن الرجل كان يقدر دور الكلمة فلم يتخفف من المسؤولية، ولم يتخذ الشطط مطية، والشهرة غاية، فجاءت آراؤه، وستبقى تشع جلالاً وتواضعاً وإخلاصاً".
فأين هذا الكلام الذي يحمل التوقير كله والإِجلال كله لعلمائنا الأوائل، من قول أستاذ جامعي عن الطبيب العربي الشهير ابن النفيس: "إنه حلاق صحة"، وقوله عن أبي حيان التوحيدي: "إنه رجل صايع ولو رآه عسكري يسير في الشارع بالليل لأخذه تحري"؟
والعجيب أنَّ هذا الأستاذ الجامعي يقول هذا الكلام على مسمع من الناس، وهو عائد من حفلة عشاء فاخرة على ظهر باخرة نيلية، في ليلة من ليالي مهرجان أبي حيان التوحيدي الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة (طيب يا أخي خلّي عندك شوية دم، دانت لسه واكل على حساب الراجل! ولقد كان من حق "جابر عصفور" أن يضع أصبعه في حلقك لتقيء ما أكلته على حساب أبي حيان)، فهذا موضع المثل العربي الصادق "أكلاً وذماً"، أي تأكلون أكلاً وتذمون ذماً، أو كما قال عبد الله بن الزبير في