المعروف المتوفى 246 هـ: "ما كانت لأحد قط عندي منَّة إلا تمنيت موته" الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني 20/ 137، ولا تستبشع هذا القول من ذلك الشاعر، فهو رجل صادق، يستثقل منن الناس عليه، ويراها قيوداً على لسانه وعقله، وكثير من الناس يستصحب هذا الشعور، دون أن يصرّح به، بل إن بعض الناس يأنف من السؤال ويطوي نفسه على الحرمان مخافة المنع والخذلان، تقول الصوفية الكبيرة أم علي امرأة أحمد بن خضرويه البلخي المتوفى 240 هـ: "فَوْت الحاجة أيسر من الذل فيها"، كتاب ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات لأبي عبد الرحمن السلمي ص 77، وقال شاعر:

لا تحسبن الموت موت البلى ... وإنما الموت سؤال الرجال

كلاهما موت ولكنّ ذا ... أشد من ذاك على كل حال

الحيوان للجاحظ 3/ 131، ودلائل الإِعجاز لعبد القاهر ص 256.

ويبقى أن تلاحظ أيها القارئ الكريم -رجوعاً إلى الخبر السابق - أن أبا الفرج الأصبهاني ودعبلاً الخزاعي كلاهما شيعي، ولم تمنع هذه الجامعة بينهما أبا الفرج من ذكر ذلك الخبر الذي قد يسيء إلى صاحبه على نحو ما. وهذا من باب الصدق أيضاً.

الصراحة الكاشفة:

وهذا أبو العباس المبرد المتوفى 285 هـ وهو احد أئمة العربية، كان معروفاً بالبخل، وكان هو يطهر ذلك للناس ولا يكتمه، يقول الوزير القفطي: "وكان المبرد ممسكاً بخيلاً، يقول: لا وزنت شيئاً بالدرهم إلا ورجح الدرهم في نفسي، هذا مع السعة التي كان فيها"، إنباه الرواة على أنباه النحاة 3/ 249.

وقصة المبرد هذه مع ما يشاكلها تعطيك دلالة أخرى؟ لأن الذي يتحدث عن نفسه بهذه الصراحة الكاشفة يصدق في كل ما يلقيه عليك بعد ذلك، لأن الشخصية لا تتجزأ، كما يقول الناس في هذه الأيام، ومن هنا تثق في كل ما كتبه أبو العباس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015