التي تذكر فيها الجاثية، لما أتى على هذه الآية: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ما يحكمون (21)} [الجاثية: 21]، لم يزل يرددها حتى أصبح، وعن ابن مسعود أنه لم يزل يردد: {وقل رب زدني علما (114)} [طه]، حتى أصبح. وعن عامر بن عبد القيس أنه قرأ من سورة القرآن - غافر - فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} [غافر: 18] لم يزل يرددها حتى أصبح. وروي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها افتتحت سورة الطور فلما انتهى إلى قوله تعالى: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم (27)} [الطور] ذهبت إلى السوق في حاجة، ثم رجعت وهي تكررها، وهي في الصلاة أيضاً.
وعن سعيد بن جبير أنه ردد هذه الآية في الصلاة بضعاً وعشرين مرة: {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (281)} [البقرة]، وعنه أيضاً أنه استفتح بعد العشاء الآخرة بسورة: {إذ السماء انفطرت (1)}، فلم يزل فيها حتى نادى منادي السحر. المرشد الوجيز ص 195 - 197.
فمدار الأمر في تلاوة القرآن على التدبر واستحضار المعاني، وتأمل الإشارات وتبين الدلالات، فمن أنس في نفسه قدرة وجلادة، مع تحقيق هذه الغايات وتعهد الواجبات الأخرى من الفرائض والنوافل، ومن سعى في أمور المعاش وإعمار الحياة، فليقرأ ما شاء الله له أن يقرأ، على ألا يزيد على السنة المأثورة.
وللحافظ الذهبي هنا كلام جيد، ينبغي ذكره، وتأمله، قال رضي الله عنه، تعقيباً على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص السابق: «وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نازله إلى ثلاث ليال، ونهاه أن يقرأ في أقل من ثلاث، وهذا كان في الذي نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث. فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك، ولو تلا ورتل في أسبوع، ولازم ذلك لكان عملًا فاضلًا، فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن