في تهجد قيام الليل، مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة والقول عند النوم واليقظة، ودبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع، والاشتغال به مخلصاً لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك: لشغل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب، فمتى تشاغل العابد بختمه في كل يوم، فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه، ولا تدبر ما يتلوه.

هذا السيد العابد الصاحب - يعني عبد الله بن عمرو بن العاص - كان يقول لما شاخ: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال له عليه السلام في الصوم، وما زال يناقصه حتى قال له: «صم يوماً وأفطر يوماً، صم صوم أخي داود عليه السلام»، وثبت أنه قال: «أفضل الصيام داود»، ونهى عليه السلام عن صيام الدهر، وأمر عليه السلام بنوم قسط من الليل، وقال: «الكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني».

وكل من يزم نفسه - أي يمنع ويكبح - في تعبده وأورداه بالسنة النبوية يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرءوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال صلى الله عليه وسلم معلماً للأمة أفضل الأعمال، وآمراً بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها، فنهى عن سرد الصوم أي تواليه وتتابعه - ونهى عن الوصال - في الصوم - وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير - يعني من رمضان - ونهى عن العزبة - عدم الزواج - للمستطيع ونهى عن ترك اللحم، إلى غير ذلك من الأمور والنواهي.

فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور، والعابد العالم بالآثار المحمدية المتجاوز لها، مفضول مغرور، وأحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015