يقول مصطفى صادق الرافعي: «ومما ترده على قارئها تلك الكتب في تربيته للعربية أنها تمكن فيه للصبر والمعاناة والتحقيق والتورك في البحث والتدقيق في التصفح، وهي الصفات التي فقدها أدباء هذا الزمن فأصبحوا لا يثبتون ولا يحققون، وطال عليهم أن ينظروا في العربية، وثقل عليهم أن يستبطنوا كتبها، ولو قد تربوا في تلك الأسفار وبذلك الأسلوب العربي لتمت الملاءمة بين اللغة في قوتها وجزالتها، وبين ما عسى أن ينكره منها ذوقهم في ضعفه وعاميته، وكانوا أحق بها وأهلها.
وذاك بعينه هو السر في أن من لا يقرأون تلك الكتب أول نشأتهم لا تراهم يكتبون إلا بأسلوب منحط، ولا يجيئون إلا بكلام سقيم غث، ولا يرون في الأدب العربي إلا آراء ملتوية، ثم هم لا يستطيعون أن يقيموا على درس كتاب عربي فيساهلون أنفسهم، ويحكمون على اللغة والأدب بما يشعرون به في حالتهم تلك، ويتورطون في أقوال مضحكة، وينسون أنه لا يجوز القطع على الشيء من ناحية الشعور، ما دام الشعور يختلف في الناس باختلاف أسبابه وعوارضه، ولا من ناحية يجوز أن يكون الخطأ فيها، وهم أبدًا في إحدى الناحيتين أو في كلتيهما». مقدمة شرح أدب الكاتب للجواليقي ص 3.
فهذه إحدى الطوام: الطعن في كتبنا واجتواؤها والإزراء بها. وثانية أشد وأعجب - وكل الأمور عجب -: يأتيني أحد طلبتي فيعرض علي شيئاً من شعره فأقول له: يا بني، ليس هذا شعراً، هذا عجن وتخليط، فيحاجني بنماذج كثيرة تعج بها جرائدنا ومجلاتنا، مصحوبة هذه النماذج أحياناً بتحليل وثناء لبعض كبار أدبائنا وأساتذتنا وزملائنا الجامعيين، يرفعون بكلام حل خسيسة كلام هزيل:
في زخرف القول تزيين لباطله ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
تقول: هذا مجاج النحل تمدحه ... وإن تعب قلت: ذا قيء الزنابير
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما ... حسن البيان يري الظلماء كالنور
ونعم ... لقد جاوز الأمر حده، وأصبح واجباً على كل ذي عقل أن يقف أمام هذا السخف، إن هذا الذي ينشر على أنه شعر إنما هو امتهان للعقل؛ من حيث كان