استخفافاً باللغة وهزءاً بنظامها وأعرافها. لقد قرأت ذات يوم في جريدة كبرى كلاماً لشاعر يقول فيه: «نرفو أعراف الديكة فوق شرائح السمك البلطي» هكذا قال، وأنا أقول: لماذا سمك البلطي بالذات؟ ألأنه عريض؟ إن «سمك موسى» أعرض منه!
وفي العدد السادس من «أخبار الأدب» الجديدة، وفي الصفحة الثامنة والعشرين ترى هذا العنوان: الفتوحات: شعر ... وفي أحد مقاطعه يقول تحت عنوان: الخليل بن أحمد: «حملت الدلاء على كتفي، وكنت أبص على جسد كالنديف، ولكنها كانت الأرض باردة، تتخللنا وتحيط أصابعنا باليقين، وتتركنا، قلت: أمشي وراء المظنات، أطرح ما حسبت أنه رعوي، ومنسدل، مثل مهر جميل على جسد الصحراء، وأدعك أطراف جسمي ببعض الغيوم، وأنفضها، فاكتشفت بأن الدم العب يحتجب الروح في جسد رقائق طينية ... أن جسراً من الريح، يعلو على الأرض كي نتغطى به كالمرايا، وحين نفر إلى الله، نشهد أنفسنا، رائعين، ومجتلبين إلى الكون نحصر فيه الفساد، نبوبه في سجلات أعراضنا، ثم نردمه خلف بحر قديم تداركنا، فاعلن فاعلن».
ما هذا يا قوم؟ إني والله أسأل تعلماً لا تعنتاً عن معنى هذا الكلام! إن هذا الكلام وأمثاله مما يطلق عليه شعر، إنما هو كما قال ذلك الأعرابي وقد حضر مجلس الأخفش فسمع كلاماً لم يفهمه، فحار وعجب، فقال له الأخفش: ما تسمع يا أخا العرب؟ فقال: «أراكم تتكلمون بكلامنا في كلامنا بما ليس في كلامنا»، أو كما قال القاضي الفقيه ابن دقيق العيد، عن الصوفي الشهير ابن سبعين: «جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاماً تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته».
ثم إن السلامة اللغوية مطلوبة في كل عمل أدبي، بل هي مطلوبة بداهة في كل كلام يجري بين العقلاء، فما معنى «أبص» في هذا الكلام؟ لم يرد هذا الفعل في كلام العرب بمعنى النظر، وإنما يقال: بص الجرو - وهو ولد الكلب - أي فتح عينيه، وفتح العينين غير النظر. فهي إذن عامية معرفة. قال المرتضى الزبيدي في تاج