ولا تقل طلبة الدراسات العليا؛ لأن باب الدراسات العليا باب ضيق جداً؛ ولأن الأصل أن تعرض هذه الكتب - الشيء منها بعد الشيء - على طلبة الجامعة، على امتداد السنوات الأربع، بل في المراحل التعليمية السابقة على الجامعة، ليأنسوا إليها ويألفوها ويعايشوها، فإذا قدر لأحدهم أن يمضي في دراسة عليا كان مستصحباً لأصول العلم وأساسه، وإذا انقطع بأحدهم الطريق كانت هذه المعرفة عوناً له وسنداً فيما يعالج من أمور التعليم والثقافة، وأعرف نفراً من زملائنا المعلمين الذين لم يستكملوا دراساتهم العليا يفوقون كثيراً من حملة الدكتوراه الآن، ولكنها حظوظ الناس:

متى ما ير الناس الغنى وجاره ... فقير يقولوا عاجز وجليد

وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظٍ قسمت وجدود

رموز التنوير:

وإنما كان زملاؤنا المعلمون على هذه الصفة لأنهم يأوون إلى ركن شديد من المعرفة التي أتاحتها لهم دراستهم الجامعية الجادة الصارمة في ذلك الزمان الرخي قبل أن يدهمنا السيل وتغشانا النوائب بذلك التنقص والاحتقار الدائم لتاريخنا وعلومنا، وإنك لا تجد أمة تستهين بتاريخها وعلومها ومعارفها كالذي تجده من بعض أفراد أمتنا الآن، وقد كان الهجوم على علومنا ومعارفنا يسمع من بعض من ينتسبون إلى الأدب، من أحلاس المقاهي وسمَّار الليالي، ثم صار الآن يسمع مجلجلًا في قاعات الدرس الجامعي: هجوماً كاسحاً أكولًا على الشعر العربي والنحو العربي والبلاغة العربية - «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه» - ويقول هؤلاء لتلاميذهم: إن الكتب القديمة حفائر وأكفان موتى، وقد غاب عن هؤلاء أمران:

أولهما: أن رموز (التنوير) وأعلامهم الذين يتحدثون عنهم الآن قد خرجوا من عباءة هذا القديم، كما ذكرت من قبل.

وثانيهما: أن هذه الكتب لو لم يكن فيها إلا أنها تعلم الجد وتقود إلى الصرامة لكان في ذلك ما يغري باقتنائها وطلب العلم منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015