أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم به مثل ما تنعمت الأذنان. مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 143.
وكتب الجاحظ - كما يقول المسعودي - «تجلو صدأ الأذهان، وتكشف واضح البرهان؛ لأنه نظمها أحسن نظم، ورصفها أحسن رصف، وكساها من كلامه أجزل لفظ، وكان إذا تخوف ملل القارئ وسآمة السامع خرج من جد إلى هزل، ومن حكمة بليغة إلى نادرة ظريفة». مروج الذهب 4/ 195.
ولا يخدعنك هذا الكلام - حسن النظم وحسن الرصف وجزالة اللفظ - فتذهب مع الذاهبين إلى أن كتب الجاحظ على شاكلته إنما هي كتب تسلية وسمر وإزجاء فراغ؛ لأنها تمثل الاهتمام بالجزئي دون الكلي؛ ولأن العقلية العربية غير قادرة على التركيب ... وهو كلام ساقط مرذول، ورده ودفعه في غير هذا المكان.
لكني أعجل فأقول: إن زعماء (التنوير) ورموزه الذين يكثر الحديث عنهم هذه الأيام قد تكوَّنوا على هذه الكتب وتغذوا بهذا الزاد، ودع عنك طه حسين والعقاد فإن صلتهما بأصول الكتب العربية معروفة، وتأمل ما ذكره عميد المسرح العربي توفيق الحكيم في كتابه «عصفور من الشرق» من أنه كان يصطحب معه عند زيارته لباريس كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه، رفيق سفر، وزاد مغترب.
وذكر إبراهيم عبد القادر المازني - وكان من أبرع الناس في الترجمة عن الإنجليزية - ذكر لخير الدين الزركلي أنه حفظ في صباه «الكامل» للمبرد غيباً. يقول الزركلي: «وكان ذلك سر الغنى في لغته» الأعلام 1/ 68، وأبو فهر محمود محمد شاكر قرأ «لسان العرب» كله وهو تلميذ بالثانوي، وكذلك قرأ في الوقت نفسه كتاب «الأغاني» في طبعة الساسي، وهي طبعة غير مشكولة ولا محققة.
وقراءة الجاحظ فوق أنها تمتع الوجدان، تحرك العقل، وتفتح أبواباً من النظر، وتستثير دفائن من الفكر. والكاتب العظيم - فوق إمتاعه - يستخرج من قارئه أشياء حبيسة، هي من صميم الموضوع الذي يعالجه الكاتب، وهي أشياء تظل كامنة مطوية، وكأن صاحبها مع إحساسه الضخم بها لا يستطيع كشفها والإبانة عنها، حتى