أما التكرير في مطلع القصيدة الثانية فهو إلى التفاهة والسخافة ما هو!
وقد ذكر الأساتذة المؤلفون في حواشي الكتاب أن القصيدتين من ديوان عنترة بن شداد. نعم يا سادة، هما في الديوان، ولكن أي ديوان؟ لقد طبع ديوان عنترة عدة طبعات، أولاها - فيما أعلم - طبعة بيروت سنة 1864 م، بعنون «منية النفس في أشعار عنترة عبس»، وقام على هذه الطبعة اسكندر آغا ابكاريوس، ثم تناسلت من هذه الطبعة بعد ذلك طبعات كثيرة، في بيروت ومصر، وكان آخرها بمصر بالمكتبة التجارية، بتحقيق وشرح عبد المنعم عبد الرؤوف شلبي، وتقديم إبراهيم الإبياري، وتشترك هذه الطبعات كلها، في أنها جمعت شعر عنترة كله، سواء ما كان منه صحيح النسبة إليه، أم ما جاء من طريق السيرة الشعبية لعنترة وهي التي يختلط فيها الغث بالسمين، والعالي بالنازل.
ثم يأتينا ديوان عنترة في دراسة علمية محققة على ست نسخ مخطوطة. من عمل الأستاذ محمد سعيد مولوي، وهو طالب علم سوري، حصل بهذا العمل المحقق الجيد على درجة الماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة، بإشراف الدكتور شوقي ضيف، ومناقشة الدكتور عبد الحميد يونس، والدكتور يوسف خليف. وقد طبع هذا الديوان بالمكتب الإسلامي لصاحبه الأستاذ العلامة زهير الشاويش، دمشق 1390 هـ - 1970 م، وقد نشر الأستاذ المحقق ديوان عنترة بشرح أبي الحجاج يوسف بن سليمان المعروف بالأعلم الشنتمرى، مع زيادات الوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي، وغيره من قدامى العلماء، ثم خلصه مما علق به من أخبار ومرويات السيرة الشعبية، فصار بهذا الديوان الذي لا ديوان لعنترة غيره.
وتقرأ هذا الديوان الموثق المحقق من أوله إلى آخره، فلا تجد فيه أثراً لهاتين القصيدتين المقررتين على تلاميذ السنة الأولى الثانوية، وقد يكون من هؤلاء شاعر أو أديب ...
وهكذا نقدم لأبنائنا في مراحل تعليمهم علماً غير موثق ولا مضبوط، ثم نصفهم بعد ذلك بالجهل والتسرع، وما هم إلا غرس الغارس، وبناء الباني: