ثم كتب العلامة النحوي الشيخ محمد علي النجار عدة مقالات في مجلة الأزهر، باسم: «لغويات» نشرها بعد ذلك مجموعة بمعهد الدراسات العربية بجامعة الدول العربية. وكتب العالم العراقي الدكتور مصطفى جواد عدة مقالات أيضاً بمجلة عالم الغد البغدادية، بعنوان «قل ولا تقل» نشرها بعد ذلك في كتاب، إضافة إلى ما ذكره في كتابه: «مباحث لغوية في العراق».
على أن هذه الجهود التي بُذلت في التنقية اللغوية وتصحيح اللسان العربي، قد تعرضت في القديم والحديث لحركة نقدية واسعة، تبعاً لمقياس الصواب اللغوي وعلى أي صورة يكون؟ وهل يقتصر القياس على المشهور الشَّائع دون القليل النادر كما يرى البصريون، أم يقاس على الشاهد الواحد والشاهدين، كما يقول الكوفيون؟ وهل نقف عند أفصح اللغات ونلغي ما سواها، أم نجعل الشاذ والفصيح واحداً؟ وقد كان بعض اللغويين يتشدد ويحكم بالخطأ على ما لم يكن فصيحاً وإن جاءت به لهجة من لهجات العرب ولو كانت ضعيفة، وكذلك يعد صحيحاً كل ما رواه لغوي ولو كان منفرداً بروايته. ولعل أعدل منهج في القبول والرد هو ما أثر عن أبي عمرو بن العلاء، وقال له أحدهم: «أخبرني عما وضعت مما سميته عربية، أيدخل فيها كلام العرب كله؟ فقال: لا، فقال: كيف تصنع فيما خالفك فيه العرب وهم حجة؟ قال: أعمل على الأكثر، وأسمي ما خالفني لغات». فهذا منهج يقوم على اعتبار الأكثر، وعدم إنكار الأقل، فهو يقبله ولكنه يضعه في دائرة اللغات. واللغات عندهم تعني ما نسميه نحن الآن: لهجات.
ومن أشهر كتب نقد مؤلفات التصحيح اللغوي قديماً: ما صنفه ابن هشام اللخمي الإشبيلي (577 هـ) فقد ألف كتابه: «المدخل إلى تقويم اللسان وتعليم البيان»، وعرض فيه بالنقد لكتابين تقدماه في لحن العامة، هما: «لحن العامة» لأبي بكر الزبيدي الإشبيلي (379 هـ)، و «تثقيف اللسان وتلقيح الجنان» لابن مكي الصقلي (501 هـ). وقد ذكر ابن هاشم أن الزبيدي «تعسف على عامة زمانه في بعض الألفاظ، وأنحى عليهم بالإغلاظ، وخطأهم فيما استعمل فيه وجهان وللعرب فيه