ومن أصدق وأدق ما قيل في استنكار اللحن واستبشاعه ما رُوي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «إن الرجل ليُكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فأرده عنها، وكأني أقضم حب الرمان الحامض، لبغضي استماع اللحن، ويكلمني آخر في الحاجة لا يستوجبها فيُعرب - أي يتكلم كلاماً صحيحاً - فأجيبه إليها، التذاذاً لما أسمع من كلامه». وروي عنه أيضاً أنه قال: «أكاد أضرس إذا سمعت اللحن». وقال عبد الملك بن مروان: «اللحن في الكلام أقبح من الجُدري في الوجه».
وينتهي عصر الراشدين واللسان العربي لا يزال صحيحاً محروساً لم يتداخله الخلل ولم يتطرق إليه الزلل، وتأتي الدولة الأموية، ومن بعدها العباسية، وتكثر الفتوح ويدخل الناس في دين الله أفواجاً، فتختلط الألسنة، وتتداخل الأصوات واللهجات، ويستعمل العربي ما لا بد له منه في الحوار والخطاب اليومي، من أجنبي ودخيل، فيضاف إلى عامل «اللحن» القديم عامل آخر، هو هذا الدخيل، فينهض له علماء اللغة، فتكثر الجهود والتصانيف في حركة التنقية اللغوية.
وفي عصرنا الحديث يطرأ عامل ثالث: هو الاستخفاف باللغة والنحو والصرف، وإشاعة أن الاشتغال بمثل هذه العلوم مضيعة للوقت والجهد الذي ينبغي أن يُصرف إلى الفكر وحده، ثم ظهرت بدعة «التفكير الموضوعي» الذي يرفض الاحتفال بهذه الشكليات من حركات الإعراب وأبنية الأسماء والأفعال، والرسم «الإملاء»، ثم يكون التخليط في هذه القواعد والضوابط سمة من سمات التحرر والانعتاق من ربقة التخلف وأكفان الموتى ورمائم القبور!
ويفزع لهذه الغاشية طائفة من علماء اللغة والنحو المحدثين، فيتصدون لهذا الانحراف عن سَنَن العربية، فيما عُرف بالتأليف في الأخطاء الشائعة. ومن أبرز ما كتب فيها «لغة الجرائد» لإبراهيم اليازجي، التي نشرها مقالات في مجلة الضياء التي أنشأها بمصر سنة 1898 م، و «حول الغلط والفصيح على ألسنة الكتاب» لأحمد أبي الخضر منسي، و «تذكرة الكاتب» لأسعد خليل داغر، و «أخطاؤنا في الصحف والدواوين» لصلاح الدين سعدي الزعبلاوي، و «الكتابة الصحيحة» لزهدي جار الله،