عند توجه أبيه إلى عمان، وبلغ أبو محمد إلى موضع من أنهار البصرة يعرف بعلياباذ ففترت نيّته عن الخروج إلى عمان، واستوحش معز الدولة منه وفسد رأيه فيه، واعتلّ المهلبي هناك، ثم أمره معز الدولة بالرجوع عن علياباذ وان لا يتجاوزه، وقد اشتدت علته، والناس بين مرجف بانه يقبض عليه إذا حصل بواسط أو عند دخوله إلى بغداد، وقوم يرجفون بوفاته، وخليفته إذ ذاك على الوزارة ببغداد أبو الفضل العباس بن الحسين بن عبد الله وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس. فجئنا إلى أبي الغنائم ودخلنا إليه وهو جالس في عرضيّ بداره التي كانت لأبيه على دجلة على الصراة عند شباك على دجلة، وهو في دست كبير عال جالس، وبين يديه الناس على طبقاتهم، فهنأناه بالشهر وجلسنا وهو إذا ذاك صبي غير بالغ إلا أنه محصّل، فلم يلبث أن جاء أبو الفضل وأبو الفرج خليفتا أبيه فدخلا إليه وهنآه بالشهر، فأجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، على طرف دسته في الموضع الذي فيه فضلة المخادّ إلى الدست، ما تحرك لأحد منهما ولا انزعج، ولا شاركاه في الدست، وأخذا معه في الحديث، وزادت مطاولتهما، وأبو الفضل يستدعي خادم الحرم فيسارّه، فيمضي ويعود ويخاطبه سرّا إلى أن جاءه بعد ساعة فسارّه فنهض أبو الفضل، فقال له أبو الفرج: إلى أين يا سيدي؟ فقال: أهنىء من يجب تهنئته وأعود إليك، وكان أبو الفضل زوج زينة ابنة الوزير المهلبي أخت أبي الغنائم من أبيه وأمه تجنّي، فحين دخل واطمأنّ قليلا وقع الصراخ، وتبادر الخدم والغلمان، ودعي الصبي وكان يتوقع أن يرد عليه خبر موت أبيه لأنه كان عالما بشدة علته، فقام فمسكه أبو الفرج وقال: اجلس اجلس وقبض عليه، وخرج أبو الفضل وقد قبض على تجني أم الصبي ووكّل بها خدما وختم الأبواب، ثم قال للصبي: قم يا أبا الغنائم إلى مولانا يعني معز الدولة فقد طلبك، وقد مات أبوك، فبكى الصبيّ وسعى إليه وعلق بدراعته وقال: يا عم الله الله فيّ، يكررها، فضمّه أبو الفضل إليه واستعبر وقال: ليس عليك بأس ولا خوف، وانحدروا إلى زبازبهم، فجلس أبو الفرج في زبزبه، وجلس أبو الفضل في زبزبه، وأجلس الغلام بين يديه، وأصعدت الزبازب تريد معزّ الدولة بباب الشماسية، فقال أبو الفتح ابن الحسين بن هارون: ما رأيت مثل هذا قط ولا سمعت، لعن الله الدنيا، أليس الساعة كان هذا الغلام في الصدر معظّما، وخليفتا أبيه بين يديه، وما افترقا حتى