بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
ليس هذا موطن الحديث التفصيلي عن ياقوت ومعجم الأدباء؛ ولكن لا بدّ في هذه الكلمة الموجزة من تبيان أمور أساسية: أولها أن أهمية هذا الكتاب كانت لا تفتأ تتمثل لعيني في دور مبكر، وكنت أراه حريا بالعناية والتقدّم على كلّ ما قمت به من قبل في ميدان التحقيق، فهو أصل كبير، ومصدر لا غنى عنه، أفاد منه أكثر من وجّه همته بعد ياقوت نحو التأليف في التراجم، فهو جدير بالتحقيق والتدقيق وتسهيل الحصول على ما يحتاجه الباحثون من معلومات فيه، وقد تكون الخطوة الأولى- لعدم ظهور مخطوطات جديدة- أن يقرأ على المصادر التي نقل عنها أو التي نقلت عنه، لضبط نصوصه، وتحرير ما فيه من مادة، وتخليصه من بعض الاشكالات التي لم تحلّ في طبعاته السابقة. وتلك خطوة مهمة، وهي على اتساع نطاقها ضرورية مهما تتطلب من عناء وجهد. ولكن لابدّ بعدها من وسائل أخرى تعين على العمل، وقد عرضت هذه الوسائل نفسها على نحو متتابع:
1- فقد كنت في أيام الطلب أقرأ لأديب فلسطين الكبير إسعاف النشاشيبي رحمه الله مقالات حول معجم الأدباء ينشرها متتابعة في مجلة الرسالة (المصرية) وكان يحاول أن يصوّب فيها ما يستطيع تصويبه من قراءات خاطئة، إما اجتهادا، وإما بالمقارنة مع المصادر الأخرى، وكان عمله هذا كثير الفائدة حين أردت أن أوجه العناية نحو معجم الأدباء، على الرغم من أن إسعافا أسرف كثيرا في الجري وراء استطرادات، على فائدتها، لا تتصل كثيرا بالهدف الرئيسي الذي من أجله كتب تلك المقالات.
2- اهتم الدكتور مصطفى جواد رحمه الله بمعجم الأدباء، فنشر مقالات متتابعة في مجلة المجمع العلمي العراقي [1] أوضحت أمرين كبيرين أولهما: أن هناك تراجم كثيرة قد ضاعت من معجم الأدباء، والدليل على ذلك أن المؤلف وعد بايرادها ولم ترد، وأن النقول عن ياقوت تتناول تراجم لا وجود لها في ما نشره مرغوليوث؛ وقد جمع منها (46) ترجمة ضائعة، ملتزما لدى النقل ما صرّحت به المصادر من منقولات عن ذلك المعجم؛ ولكن مراجعة الوافي بالوفيات للصفدي (مثلا) تدلّ على أنه نقل كثيرا من التراجم عن ياقوت دون تصريح؛ لكن كان عمل الدكتور جواد أكثر حيطة حين التزم بما وجده منقولا مشفوعا بالتصريح الواضح الدقيق؛ وثانيهما: أن هناك تراجم قد أدرجت في معجم الأدباء، وهي ليست من شرط المؤلف (كما وضحه في المقدمة) وإنما هي مستمدة من كتاب له آخر اسمه «معجم الشعراء» . إذ لما كان المؤلف قد أفرد الشعراء بمعجم مستقل فمن المستبعد أن يترجم في معجم الأدباء لحميد بن ثور الهلالي ومسكين الدارمي وأبي زبيد الطائي وحمزة بن بيض ونصيب بن رباح والفرزدق والخبز أرزي وغيرهم كثيرين. وقد كان رصد هاتين الظاهرتين مفيدا على مستوى التحقيق، إذ نبه من يحاول الاقتراب من معجم الأدباء إلى البحث عن ترجمات أخرى ضاعت غير تلك التي وقع عليها مصطفى جواد، كما نبّه الخاطر إلى ما في الكتاب من مادة دخيلة، وقد تساءلت هل يمكن فرز تلك المادة عن أصل الكتاب، فوجدت أن هذا عمل قد يتحمل الخطأ لأنّ ياقوتا نفسه كرر بعض التراجم في معجميه، كما فعل في ترجمة العتابي حين صرّح أنه استوفى أخباره في معجم الشعراء ومع ذلك أعاد ذكره في معجم الأدباء؛ وقد ترجم للبحتري لأنه إلى جانب شهرته في الشعر ألّف الحماسة، ولكن ترجمة أبي تمام لم ترد فيه، فهل سقطت من الكتاب أو اكتفى المؤلف بذكره في أحد المعجمين؟ ثم إن إسقاط الشعراء من هذا الكتاب قد يعني تحريرا لمعجم الأدباء من مادة دخيلة، ولكن وجود هذه التراجم أمر مفيد للدارس والباحث، خصوصا وأن حذفها يقوم على التحكم المحض لا على تصور واضح لطبيعة كل معجم من المعجمين؛ ولهذا أبقيت تراجم الشعراء، ووضحت في هامش كل ترجمة أنها- على الترجيح- ليست من أصل الكتاب؛ ولست أرى لها أن تحذف إلا حين يكتشف «معجم الشعراء» .