كان يختصّه ويثق به، ومنّاه ووعده، فدلّه على دفين كان لأبي علي في الدار [1] ، فاستخرج منه عدة قماقم فيها نيف وتسعون ألف دينار وحملها إلى معز الدولة وقال له:

هذا قدر أمانة خازنك الذي ظننت أني قد قتلته باليسير الذي أخذته لك منه، وما فيه درهم من ماله [2] ، وإنما افترصه [3] من أولادك وحرمك وغلمانك وشنّع عليك، ثم تتبع أسبابه فأخذ منهم تمام مائتي ألف دينار، وقدّر أبو محمد أن معز الدولة يمكنه من الحاشية الباقين ويعفيه من الخروج فلم يقبل [4] ، وجدّ به جدّا شديدا في الانحدار فانحدر في جمادي الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وتمادت أيامه بالبصرة للتأهب والاستعداد، وامتنع العسكر المجرد من ركوب البحر، فبلغ معزّ الدولة ذلك، فاتهمه بأنه بعث العسكر على الشغب [5] ، فكاتبه بالجدّ والإنكار عليه في توقفه وألزمه بالمسير [6] ، ووجد أعداؤه طريقا للطعن عليه، فاغتنموا تنكّر معز الدولة عليه، وأقاموا في نفسه أنه انحدر من مدينة السلام وهو لا يعتقد العود إليها، وأنه سيغلب على البصرة كما تغلّب البريديون، وأن العسكر الذي معه والعشائر هناك على طاعته [7] ، عظّموا عنده أمواله، فتدوخ معزّ الدولة بأقاويلهم، وعرف أبو محمد ذلك فأطلق لسانه فيهم، وخرق الستر بينه وبينهم، وتطابقت الجماعة في المشورة على معز الدولة بالقبض عليه، والاعتياض بأمواله عما تعذّر [8] حصوله من عمان، وجعلوه على ثقة من أنهم يسدون مسدّه، فمال إلى قولهم، وكتب إلى أبي محمد يعفيه من الانحدار [9] إلى عمان، ويرسم له الانكفاء إلى مدينة السلام، وعلم أبو محمد بالحال ووطّن نفسه على الصبر وركوب أصعب المراكب فيه، وأن يدخل فيما دخل فيه القوم، ويتولى هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015