أطال فيه وخرج منصرفا إلى داره، فقدّم له شهريّ بمركب ذهب، وسار أبو محمد وسبكتكين الحاجب بين يديه، والقواد والناس في موكبه، وذلك لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة فأثقلته هذه الخلع وكان ذا جثّة، والزمان صيف، وقد مشى في تلك الصحون الكثيرة، فسقط عند دخوله إلى حضرة المطيع لله ووقع على ظهره، وظنّ أنه يحصر لما جرى، فقال يا أمير المؤمنين:
خرسنوه وما درى ما خراسا ... ن بلبس القباء والموزجين
ثم أكثر الشكر وأطال فيه، فاستحسنت منه هذه البديهة على تلك الصورة، وركب إلى داره وجميع الجيش معه، وحجاب الخلافة ومعز الدولة بين يديه.
فلما كانت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة لهج معز الدولة بذكر عمان، وحدّث نفسه بأخذها، وأغراه بذلك المعروف بكرك، أحد النقباء الأصاغر [1] ، فأمر المهلبيّ بالخروج إليها، فدافعه ووضع عليه من يزهّده فيها، فلم يزدد إلا لجاجا، وكاد أبو محمد الوزير [2] حاشية معز الدولة إذ ألزمهم تقسيطا في نفقة البناء الذي استحدثه من غير أن يخرج بأحد منهم إلى عسف، فأحفظهم فعله، فبعثوا معزّ الدولة على إخراجه، فلما ألحّ عليه ضمن له أن يستخرج من هؤلاء جملة كبيرة يستعين بها في هذا الوجه، فمكّنه من ذلك بعد أن شرط عليه أخذ العفو وتجنّب الإجحاف، فقبض على جماعة وأخذ منهم ألفي ألف درهم، منها خمسمائة ألف درهم من أبي علي الحسن بن إبراهيم النصراني الخازن، ومعزّ الدولة على غاية العناية بأمره والثقة بأنه لا مال له، وأظهر أبو علي الفقر وسوء الحال وأنه اقترض المال الذي أدّاه من الناس، فشقّ ذلك على معزّ الدولة وظنه حقا، واعتلّ أبو علي عقيب ذلك ومات، فاعتقد معزّ الدولة أن أبا محمد قتله لما عامله به، وأقبل عليه يلومه ويحلف له أنه يقيده به، فلم يلتفت أبو محمد إلى ذلك، وبادر إلى دار أبي علي وقبض على خادم له ضغير