مصادرة نفسه وأصحابه وخصومه وأعدائه، وكان مليّا بذلك، فهجمت عليه علته التي مات منها، وتردد بين إفاقة ونكسة إلى أن وردت الكتب باليأس منه، فأنفذ معزّ الدولة حينئذ أحد ثقاته على ظاهر العيادة له وباطن الاستظهار على ماله وحاشيته، فألفاه في طريقه محمولا في محفة كبيرة مملوءة بالفرش الوثيرة، ومعه فيها من يخدمه ويعلّله، ويتناوب في حملها جماعة من الحمالين، فلما انتهى إلى زاوطا [1] قضى نحبه ومضى لسبيله، وسقط الطائر بمدينة السلام بذلك، فقبض على أسبابه وحرمه وولده، فصودرت الجماعة، ووقع السّرف في الاستقصاء عليهم، فلم يظهر لأبي محمد مال صامت ولا ذخيرة باطنة، وبانت لمعزّ الدولة نصيحته وبطلان التكثيرات [2] عليه، وقد كان يصل إليه من حقوق الرقاب في ضياعه وما يأخذه من إقطاعه ويستثني به على عماله مال كثير يستوفيه جهرا، من غير أن توقع فيه أمانة، ويصرف جميعه في مؤونته ونفقاته وصلاته وهباته، إلى هدايا جليلة كان يتكلّفها لمعز الدولة في أيام النواريز والمهاريج، وعطف معز الدولة على الجماعة يطالبهم بالضمانات التي ضمنوها، فاحتجوا بوفاته، ووعدوا بالبحث عن ودائعه، وتدافعت الأيام واندرج الأمر فكان الذي صحّ من مال أبي محمد ومال حرمه وأولاده وأسبابه خمسة آلاف ألف درهم، فيها الصامت والناطق والباطن وأثمان الغلات وارتفاع الأملاك والأموال وأموال جماعة من التجار أخذت بالتأويلات، وكانت وفاته سببا لصيانته عن عاجل ابتذالهم له، وصيانتهم عن آجل بلواهم به. وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، ووفاته في يوم السبت لثلاث ليال بقين من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. ولأبي محمد:

قضيت نحبي فسرّ قوم ... حمقى لهم غفلة ونوم

كأنّ يومي عليّ حتم ... وليس للشامتين يوم

قال هلال بن المحسن بن أبي إسحاق الصابي: وحدثني أبو إسحاق جدي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015