ويقاسون من خشونة نطقه، ويقفلون وألم ذلك التهجم [1] والإعراض، والوقيعة في الأحساب والأعراض، أشدّ عليهم من ألم الأسقام والأمراض. ولهذا جعل شخصه، وصيّر نفسه- مع أنه أفضل زمانه، وأعلم أولاد أقرانه- ضحكة الأداني والأقاصي، وسخرة للأذناب والنواصي، حتى صار بحيث إذا مشى في الأسواق تعادى صبيان البلد حوله فيسخرون منه ويضحكون عليه وينعرون في قفاه. ولا أقول فيه- أدام الله علوه- إلا ما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في ابن المقفع حين رأى كمال فضله، ونقصان عقله. «علم وافر، وعقل قاصر» . ومن قصور عقل ابن المقفع أنه مرّ ببيت النار، وكان من أولاد كسرى، فتنفس الصعداء وتمثّل ببيت الأحوص بن محمد الأنصاري:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكّل
فاتهم بالمجوسية، فألقي في تنور مسجور، فأحرق. وما أصدق من قال:
قيراط عقل، خير من قنطار فضل، ومثقال حلم، أنفع من مكيال علم. أنكر- أدام الله علوه- رشاد مذهبي وإنكاره ضلال، وجحد سداد سيرتي وجحوده باطل محال، فيا طيّر الله جمجمة فرّخت فيها الأضاليل وباضت، ويا أسكت الله شقشقة دفقت منها الأباطيل وفاضت. ولا أعني بهذه الجمجمة إلا جمجمته التي لا عقل فيها، ولا أريد بهذه الشقشقة إلا شقشقته التي يباينها الصدق وينافيها. حتى متى يتهمني بظنّه؟ وإلى كم يجرّعني درديّ دنّه؟ أيحسب- أدام الله علوّه- أن ظنّه الباطل وخياله الفاسد ووهمه الكاذب وحي من السماء إلهي؟ أو إلهام في الحقيقة رباني؟ أو آية نفث بها روح القدس في روعه؟ لا بل هو واحد من أبناء زماننا وهذا شرّ الأزمنة، عجم الشيطان عوده فاستلانه، فصير خزانة خياله مكانه، فهذه الخطرات التي تختلج في جنانه، وتدور حول حسبانه، من تلك الخيالات الشيطانية، لا من الإلهامات الربانية. ولقد بلغني من أفواه الرواة، وألسنة الثقات أنه- أدام الله علوّه- أخذ بعين هذه التهمة الكاذبة قبل هذا واحدا من أعيان أهل جلدته، وسكّان بلدته، وهو مسعود بن المنتجب- رحمة الله- فأغار على أهله وبيته، وتعرّض لحيّه وميته، وخرّب دوره ورباعه،