وغصب أثاثه ومتاعه [1] ، من غير حجّة صحّحها، ولا بيّنة أوضحها. اللهم اصرع الظالم على الهامة، وخذ منه للمظلوم حتى يرضى عنه يوم القيامة. ومما أقضي منه العجب أن عهدي به- أدام الله عزه- قد كان يخرب الأبدان، فها هو الآن يخرب الأوطان، وما أسرع الدهر إلى تغيير البشر، وما أقدره على تبديل الصور والسير.

قرأت في بعض الكتب [2] أنّ خليفة من الخلفاء رأى في منامه أن واحدا من ندمائه وثب عليه ليقتله، فلما أصبح استدعى النديم وأمر بقتله، فقال له النديم: ماذا فعلت حتى استوجبت هذه العقوبة، قال الخليفة: ما فعلت شيئا، ولكني رأيت في المنام أنك تقتلني وأنا أقتلك لذلك، فقال له النديم: إن يوسف بن يعقوب- صلوات الله عليهما- مع كونه صدّيقا نبيا احتاجت رؤياه إلى تعبير، وافتقرت أحاديثه إلى تأويل وتفسير، أفتستغني رؤياك عن مثل ذلك؟ فضحك الخليفة وخلاه. وأنا أقول: هكذا ظنون جميع ذوي الألباب، معرضة للخطأ والصواب. كأنّه- أدام الله علوه- تفرّد من بينهم بذاته، وتوّحد بعظمة صفاته [3] ، فتنزهت ظنونه عن السهو، وتقدّست أحاديثه عن اللغو. عصمنا الله من الكبر البائن، والعجب الشائن. أما حان أن ينتبه- أدام الله علوه- من غفلته، ويستيقظ من رقدته، وقد بلغ غاية شيبه، وأخذ الموت بلحيته وجيبه، يقرع كلّ ساعة منادي الفناء، في أذنه الصمّاء: أن اترك أوطانك، واهجر أهلك وجيرانك، وارحل إلى جهنم بخيلك ورجلك، فإنها قد أوقدت نيرانها لأجلك. وما حرص جهنم على شي، كحرصها على إحراق [4] شيخ غويّ، وهمّ غبي، سيّء الخليقة، مذموم الطريقة، يتظاهر بالإثم والعدوان، ويتبع خطوات الشيطان. هو- أدام الله علوّه- بلغ ساحل الحياة ووقف على ثنية الوداع، وهمّ بحر عمره بالنضوب، ومال نجم بقائه للغروب، فما ظنّه: هل في الحياة مطمع وقد بليت جدّته، وفنيت مدته، وتراجع أمره، وأتى على الثمانين عمره؟!

أيرجو الفتى عودا إلى طيّباته ... وقد جاوزت رأس الثمانين سنّه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015