بل كتائب تفلّ كلّ جيش، وخطاب لا بل خطوب تكدّر كلّ عيش، وكلام لا بل في الأضالع كلام، وفصول لا بل في الجوانح نصول، وأسجاع مؤنقة، لا بل أوجاع موبقة، كأنّه نازلة الدهر، وقاصمة الظهر، كأنما ألفاظه أنياب الأراقم، ولمعانيه أظفار الضراغم. هو- أدام الله علوه- دفّاع الأمراض بطبّه، فلم أمرضني بفضائح سبّه؟ ونطاسيّ الجراح بعلمه، فلم جرحني بقبائح ظلمه؟
وممّن أرجّي شفاء السقام ... ومسقمتي جفوات الطبيب
ما هذا الإنذار والإيعاد؟ وما هذا الإبراق والإرعاد؟ كأنه صاحب دلدل، أو فارس بلبل [1] ، أو كأنه من أقيال اليمن، وأبطال الزمن، أو كأنه ثعبان الحرب، وشيطان الطّعن والضرب [2] ، وذكر البول أولى به من ذكر الهول، وحديث البراز أولى به من حديث البراز:
إن للهجر رجالا ... ورجالا للوصال
قال- أدام الله علوّه- مصصت دمي من عرقي، أو ليس يدري أنّ امتصاص الدماء من خصائص بضاعته، والتصرف في اللحوم والعظام [3] من لوازم صناعته؟! رحم الله امرءا عرف قدره، ولم يتعدّ طوره. وشر ما في بني آدم من الخصال الذميمة، والأفعال اللئيمة، إيذاء الصغار للكبار، وإيحاش العبيد للأحرار [4] . وهذا له- أدام الله فضله- جبلّة فطر عليها، وطبيعة استرسل معها، وسجية شهر بين العامة والخاصة بها، يشتم كلّ يوم [5] في منزله ومكانه، وعلى سدّة داره وطرف دكانه، خلقا كثيرا، وجما غفيرا، من الرافعين قصصهم إليه، والعارضين عللهم عليه، فيرجعون وجفونهم تتصوّب عبراتها، وقلوبهم تتصعّد زفراتها، لما يلاقون من سوء خلقه،