الحال، من النفس في دعة، ومن العيش في سعة، والحمد لله على ذلك وبه الثقة والحول، وله المنّة والطول، وحين تنسمت من يد حامله رياه، وثبت من مكاني مستقبلا إياه، ومددت إليه يميني مدّ معزّ مكرم، وأخذته بطرف كمي أخذ مجلّ معظم، وقلت في نفسي: كرامة ساقها الله تعالى إليّ، وسعادة ألقت أنوارها عليّ، وأرسلت في الحال قاصدا إلى دارات [1] الأشراف وسروات الأطراف، وبعثت في الساعة مسرعا إلى رجالات الأخبية والأبنية، وساكنة الأباطح والأودية، ودعوت من كلّ حلة رئيسها وزعيمها، ومن كل خطّة كبيرها وعظيمها، حتى اجتمع عندي البدويّ والحضري، واحتشد في ربعي الربعي والمضري، ثم عرضت عليهم كتابا شريفا [2] بختمه، وحنيت ظهري لتقبيله ولثمه، وطلبت خطيبا مصقعا من بلغاء بني معدّ صحيح اللسان، فصيح البيان، ووضعت له في منزلي منبرا من الساج، مغشّى بالأطلس [3] والديباج، ليصعد به ذرى الأعواد، ويقرأه على رؤوس الأشهاد، فرفع الكلّ أبصارهم [4] يمنة ويسرة، وسألوني خفية وجهرة، ما هذا الذي تظهره لنا وتعرضه، وتوجب علينا سماعه وتفرضه؟ فقلت: كتاب إمام [5] لم تلمح عين الزمان بمثله، ولم تسمح يد الليالي [6] بشكله، كتاب إمام هو في العلم صاحب آيات، وفي الفضل سابق غايات، إمام تطلع نجوم الجوّ دون قدره، وتحسد رياض الخلد أطايب صدره، كتاب إمام تمّ به حساب العلماء، كما تمّ برسول الله صلى الله عليه وسلم حساب الأنبياء، صحيفة فخر حررتها يد بيضاء، وقلادة مجد رصّعتها همة روعاء. ونشرت من معالي سيدنا- أدام الله علوه- ومفاخره، وذكرت من مناقبه ومآثره، ما امتلأ بنشره النادي، وسال من ذكره الوادي، فسكنوا وسكتوا، وأنصفوا وأنصتوا، فلما فضضت ختامه، وحدرت لثامه، شاهدت في أثنائه من الفزع الأكبر، وعاينت في أدراجه من أهوال يوم المحشر، ما أطال السهاد، وأطار الرقاد، وشقّ جلباب الصبر ومريطاء الجلد، وجرح سواد العين وسويداء الخلد، حسبته حلّة خسروانية، فوجدته حربة هندوانية. كتاب لا