لبيك إذ دعوتني لبيكا ... أحمد ربا ساقني «1» إليكا
فأما الإجابة عن أفصح بيان، خطّ بأكرم بنان، واضح كالزهر المؤنق، مالك لرقاب المنطق، فما أنا منها بقريب، وهيهات أنى لي التّناوش من مكان بعيد، لكني على الأثر، ولا أتأخر عن الوقت المنتظر، إن شاء الله تعالى.
قال: وكان أبو محمد الخلادي ملازما لمنزله قليل البروز لحاجته، وقيل له في ذلك فروى عن أبي الدرداء «2» : نعم صومعة الرجل بيته، يكفّ فيه سمعه وبصره.
وروى عن ابن سيرين أنه قال: العزلة عبادة، وقال: خلاؤك أقنى لحيائك، وقال:
عزّ الرجل في استغنائه عن الناس، والوحدة خير من جليس السوء «3» ، وأنشد لابن قيس الرقيات «4» :
اهرب بنفسك واستأنس بوحدتها ... تلق السعود إذا ما كنت منفردا
ليت السباع لنا كانت معاشرة ... وأننا لا نرى ممن نرى أحدا
إن السباع لتهدا في مرابضها ... والناس ليس بهاد شرّهم أبدا
ثم صار الخلادي إلى أبي الفضل ابن العميد، فلما فتشه شدا منه علما غزيرا، وقبس أدبا كثيرا، وقال الخلادي: إن أعجب الأستاذ معرفتي صحبته وتعلقت به وأقمت عنده وبين يديه.
وكتب الخلادي إلى منزله برامهرمز: بسم الله الرحمن الرحيم، قد وردت من الأستاذ الرئيس على ضياء باهر، وربيع زاهر، ومجلس قد استغرق جميع المحاسن، وحفّ بالأشراف والأكارم، وجلساء أقران أعداد عام، كأنهم نجوم السماء، من طالبيّ رخو المعاطف، صلب المكاسر، جامع إلى شرف الحسب دينا