حدثني تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شيخنا، قال «1» : بلغني أن أبا سعيد دخل على ابن دريد وهو يقول: أول من أقوى في الشعر أبونا آدم عليه السلام في قوله:
تغيّرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح
تغيّر كلّ ذي طعم ولون ... وقلّ بشاشة الوجه المليح
فقال أبو سعيد: يمكن إنشاده على وجه لا يكون فيه إقواء، فقال: وكيف ذلك؟
قال: بأن تنصب بشاشة على التمييز، وترفع الوجه المليح بقلّ، ويكون قد حذف التنوين لالتقاء الساكنين كما حذف في قوله:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا
وقال أبو حيان «2» : جرى ليلة ذكر أبي سعيد السيرافي في مجلس ابن عباد، وكان ابن عباد يتعصب له، ويقدمه على أهل زمانه، ويزعم أنه حضر مجلسه، وأبان عن نفسه، وصادف من أبي سعيد بحر علم وطود حلم، فقال أبو موسى الخشكي «3» : إلّا أنه لم يعمل في «شرح كتاب سيبويه» شيئا، فنظر إليه ابن عباد متنمرا ولم يقل حرفا، فعجبت من ذلك، ثم إني توصلت ببعض أصحابه حتى سأل عن حلمه عن أبي موسى مع ذبّه عن أبي سعيد فقال: والله لقد ملكني الغيظ على «4» ذلك الجاهل حتى عزب عنّي رأيي ولم أجد في الحال شيئا يشفي غيظي وغلّتي منه، فصار ذلك سببا لسكوتي عنه، فشابهت الحال الحلم، وما كان ذلك حلما، ولكن طلبا لنوع من الاستخفاف لائق به، فو الله ما يدري ذلك الكلب ولا أحد ممن خرج من قريته ورقة من ذلك الكتاب، وهل سبق أحد إلى مثله من أول الكتاب إلى آخره مع كثرة فنونه وخوافي