أسراره؟! وكان أبو موسى هذا من طبرستان، فعدّ هذا التعصب من مناقب ابن عباد، وحجب أبا موسى بعد ذلك.
ومن عجيب «1» ما مرّ بي ما قرأته في «كتاب الانتصار المنبي عن فضائل المتنبي» لأبي الحسين محمد بن أحمد بن محمد المغربي راوية المتنبي وكان قد ردّ فيه على بعض من زعم أن شعر المتنبي مسروق من أبي تمام والبحتري، وله قصيدة عارض بها بعض قصائد المتنبي، وأخذ المغربي يردّ عليه فقال: ورأيته وقد استشهد بأبي سعيد السيرافي مؤدّب الأمير أبي إسحاق ابن معز الدولة أبي الحسين ابن بويه وذكر أنه أعطاه خطه بأن قصيدته خير من قصيدة أبي الطيب، قال: ومن جعل الحكم في هذا إلى أبي سعيد؟ إنما يحكم في الشعر الشعراء لا المؤدّبة، وبمثل هذا جرت سنة العرب في القديم، كانت تضرب للنابغة خيمة من أدم بسوق عكاظ وتأتي الشعراء من سائر الآفاق فتعرض أشعارها عليه فيحكم لمن أجاد، وخبره مع حسان وغيره معروف، ولو كان أعلم الناس بالنحو أشعرهم لكان أبو علي الفسوي أشعر الناس، وما عرف له نظم بيت ولا أبيات ولا سمع ذلك منه. وأما إعطاء أبي سعيد خطه فيوشك أن يكون من جنس «2» ما حدثني به المعروف بابن الخزاز الوراق ببغداد وأبو بكر القنطري وأبو الحسين ابن «3» الخراساني، وهما وراقان أيضا من جلة أهل هذه الصنعة أن أبا سعيد إذا أراد بيع كتاب استكتبه بعض تلامذته حرصا على النفع منه ونظرا في دق المعيشة كتب في آخره، وإن لم ينظر في حرف منه: «قال الحسن بن عبد الله قد قرىء هذا الكتاب عليّ وصح» ليشترى بأكثر من ثمن مثله. قلت: وهذا ضد ما وصفه به الخطيب من متانة الدين، وتأبّيه من أخذ رزق على القضاء، وقناعته بما يحصل من نسخه هذه، والله أعلم بما كان.