ويدخل كلّ مدخل حتى يحصّل لنفسه وعياله بعض كفايتهم، فقال: ثق بالله خالقك، وكل أمرك إلى رازقك، وأقلل من شغبك، وأجمل في طلبك، واعلم أنك بمرأى من الله ومسمع، قد تكفل برزقك فيأتيك من حيث لا تحتسبه، وضمن لك ولعيالك قوتهم فيدرّ عليك «1» من حيث لا ترتقبه، وعلى حسب الثقة «2» بالله يكون حسن «3» المعونة، وبمقدار عدولك عن الله إلى خلقه يكون كلّ المؤونة، وأنشد وذكر أنه لبعض المحدثين:

يا طالب الرزق إنّ الرزق في طلبك ... والرزق يأتي وإن أقللت من تعبك

لا يملكنّك لا حرص ولا تعب ... فيسلماك ولا تدري إلى عطبك

إن تخف أسباب رزق الله عنك فكم ... للرزق من سبب يغنيك عن سببك

بل ان تكن في أعزّ العزّ ذا أرب ... فلا يكن زاد من لم تبل من أربك

لا تعرضنّ لزاد لست تملكه ... واقنع بزادك أو فاصبر على سغبك

ولست تحمد أن تعزى إلى نشب ... إذا عزيت إلى بخل على نشبك

هب جاهل القوم غرّته جهالته ... ألست ذا أدب فاعمل على أدبك

لا تكلبنّ على عرض الكرام تعش ... والكلب أحسن حالا منك في كلبك

ولا تعب عرض من في عرضه جرب ... إلا وأنت نقيّ العرض من جربك

وإنما الناس في الدنيا ذوو رتب ... فانهض إلى الرتبة العلياء من رتبك

قال أبو حيان: وكان يختلف إلى مجلس أبي سعيد عليّ بن المستنير، وكان هذا ابن بنت قطرب، وكان أبو سعيد يعرف له تقدّمه على كثير من أصحابه، وكان يرجع إلى وطأة خلق، وحسن عشرة، وحلاوة كلام، وفقر مدقع، وضرّ ظاهر، وحالة سيئة، وأمر مختلّ، ومعيشة ضيقة، وكثرة عيال ومؤونة، مع نشاط القلب، وثبات النفس، وطلاقة الوجه، والطرب والارتياح. وقرأ يوما على أبي سعيد «ديوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015