المرقش» وأخذ خطّه بذلك وعجّل الانصراف من عنده، فقال له أبو سعيد: أين عزمت؟ قال: أذهب لأصلح أمر العيال، وأتمحّل وأحتال، فدعا له بالرزق والسعة والمعونة والكفاية، وهو مع ذلك ضاحك السنّ قرير العين، فلما انصرف قلنا له: هذا الرجل مع ما فيه لا يعرف الحزن في وجهه، ولا يشتدّ همه، ولا يقدر على دفعه، فالتفت بعضهم فقال: أيها الشيخ وراءه حال يخفيها عنا ويطويها منا، قال: ما أظنّ الأمر على ذلك، لكنّ الرجل عاقل، والعاقل يعلو عليه همه وحزنه فيقهرهما بعقله وعلمه، والجاهل يشتدّ همه وحزنه ويرى ذلك في وجهه ولا يقدر على دفعه لجهله، فاستحسنا ذلك وأثبتناه.

قال في «كتاب الامتاع» «1» : فقال لي الوزير أين أبو سعيد من أبي علي، وأين علي بن عيسى منهما؟ وأين ابن المراغي «2» أيضا من الجماعة؟ وكذلك المرزباني وابن شاذان وابن الوراق وابن حيويه، فكان من الجواب: أبو سعيد أجمع لشمل العلم، وأنظم لمذاهب العرب، وأدخل في كلّ باب، وأخرج عن كلّ طريق، وألزم للجادّة الوسطى في الدين والخلق، وأروى للحديث، وأقضى في الأحكام، وأفقه في الفتوى، وأحضر بركة على المختلفة «3» ، وأظهر أثرا في المقتبسة، ولقد كتب إليه نوح بن نصر- وكان من أدباء ملوك آل سامان- سنة أربعين وثلاثمائة كتابا خاطبه فيه بالإمام، وسأله عن مسائل تزيد على أربعمائة مسألة، الغالب عليها الحروف وما أشبه الحروف، وباقي ذلك أمثال مصنوعة على العرب شكّ فيها فسأله عنها، وكان هذا الكتاب مقرونا بكتاب الوزير البلعمي «4» خاطبه فيه بامام المسلمين ضمنه مسائل في القرآن وأمثالا للعرب مشكلة. وكتب إليه المرزبان بن محمد ملك الديلم من أذربيجان كتابا خاطبه فيه بشيخ الاسلام، سأل عن مائة وعشرين مسألة أكثرها في القرآن وباقي ذلك في الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعن الصحابة. وكتب إليه ابن حنزابة من مصر كتابا خاطبه فيه بالشيخ الجليل وسأله فيه عن ثلاثمائة كلمة من فنون الحديث المرويّ عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015