أصحابه، عند الله ملوم، وعند الناس مذموم، وربما تستولي عليه في حال سكره مخايل الهموم، فيبكي دما، ويشقّ جيبه حزنا، وينسى القريب، ويتذكر البعيد، والصبيان يضحكون منه، والنسوان يفتعلن «1» النوادر عليه، ومع ذلك فبعيد من الله قريب من الشيطان، قد خالف الرحمن في طاعة الشيطان، وتمكن من ناصيته، وزيّن في عينه إتيان الكبائر وركوب الفواحش واستحلال الحرام وإضاعة الصلاة والحنث في الايمان، سوى ما يحلّ به عند الافاقة من الندامة، ويستوجب من عذاب الله يوم القيامة. فقال الرجل: والله إن قولك ووصفك له أعلق بالقلب من كلّ دليل «2» واضح وبرهان لائح، وحجة وأثر، وقول وخبر، فقال له: لولا ذهاب الوقت ولا عوض له لاستدللت لكلّ خصلة ذكرتها ولفظة أوردتها بآية من كتاب الله أو خبر مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حتى يقال: إن هذه الألفاظ مشتقة من ذاك مستنبطة منه «3» ، ولكن الأمر في ذلك أظهر وأشهر من أن يبيّن ويوضح. ولأبي حنيفة مسائل لا أرتضيها له، قد خالفه فيها أعيان الصحابة والناقلة لمذهبه، ولكن لكلّ أريب هفوة، ولكلّ جواد كبوة، والكلام إذا كثر لا يخلو من الخطأ، والقول إذا تتابع لا يعرى من التناقض، والله المعين على أمر الدنيا والدين.
قال أبو حيان، قال أبو سعيد: دخلت مسجدا بباب الشام يوما أنظر أبا منصور العمدي «4» ، فرأيت عربيّا قد استلقى ومخلاته تحت رأسه، وهو يترنّم بهذه الأبيات، بحلق أطيب ما يكون، وصوت أندى ما يسمع:
سماء الحبّ تهطل بالصدود ... ونار الحبّ تحرق من بعيد
وعين الحب تأتي بالمنايا ... فتغرسها «5» على قلب عميد
وأول من عشقت عشقت ظبيا ... له في الصدر قلب من حديد