يهتد إليها الغابرون» «1» .
وإذا كان قد شرع في تبييضه ليلة إحدى وعشرين من محرم سنة 621 «2» فمعنى ذلك أنه عمل في جمع مادته وترتيبها ووضعها في صورة قابلة للتبييض عشر سنوات، وهي مدة ليست طويلة في هذا النوع من التأليف، ولكن المؤلّف يراها طويلة «ولما تطاولت في جمع هذا الكتاب الأعوام» «3» ولا بد أن نتذكر هنا أمورا تتعلّق بإحساس الفرد نفسه تجاه الأحداث والأيام، وبخاصة تجاه الموت، فقد بدأه ياقوت عمليا وهو في الأربعين، وأرغمه فراره من التتر على حمل مادته الكثيرة متنقلا من بلد إلى بلد حتى حطّ رحاله في حلب، وفي حلب استمرّ ما لا يقل عن خمس سنوات وهو يضيف إليه، وقد أخذ يحسّ بأن العمر يمضي. والكتاب يتحمل العمل سنوات أخرى، «فقطعته والعين طامحة، والهمة إلى طلب الازدياد جامحة، ولو وثقت بمساعدة العمر وامتداده، لضاعفت حجمه أضعافا ... » «4» ولعلّ نذير المرض كان يذكره دائما بضرورة الاقتصار على ما توفر له- وهو كثير- وحين اكتمل تبييض النسخة أهداها إلى خزانة الصاحب الأكرم جمال الدين القفطي «5» ، وفي النسخة التي وصلتنا زيادات ترقى إلى عام 624 ويقول كراتشكوفسكي إنه أخذ على عاتقه ابتداء من أول يناير 625/1228 تهذيب المعجم، ولكن الوفاة عاجلته دون ذلك «6» .
ومع ذلك فأنا أعتقد أن فكرة المعجم كانت تدور في ذهنه، قبل أن يصطدم بمن خطّأه في لفظ «حباشة» ، فإن جولاته بدأت في حدود سنة 607، وبدأ لديه التعرف إلى البلدان، كما بدأ لديه نسخ الكتب، وفيها كتب جغرافية، وفيها ما يجعل الناسخ يتوقف عند بعض الأسماء الجغرافية، ولهذا فإن حادثة «حباشة» كانت نقطة الحسم في توجهه لإبراز الفكرة عمليا، وكان قد حصل بالمشاهدة والاطلاع كثيرا مما يصلح أن