والمتأخرين فهو قد وسّع مساحة المشروع ولكنه لم يغير في طبيعته كثيرا.
لكنه كان غير مسبوق إلى وضع معجم جغرافي شامل، ذلك أننا إذا استثنينا معجم ما استعجم للبكري وهو مقتصر على أسماء الأماكن التي وردت في الشعر والحديث وكتب التاريخ لم نجد أحدا قبل ياقوت أقدم على مثل هذا المشروع الكبير، ويقول ياقوت في مقدمة معجم البلدان إنه طلب كتاب البكري (معجم ما استعجم) فلم يجده، وإنما وجد كتابه «المسالك» ، ولكنه ينقل عن الأول، وهذا قد يكون نقلا غير مباشر. ويمكن أن يعدّ كتاب أبي سعد السمعاني في الأنساب مفتاحا لتأليف ياقوت في البلدان، إذ إن كتاب السمعاني يحتوي على كثير من النسب إلى بلدان بأعيانها، مما حمل المؤلف على ذكرها وتحديد مواقعها.
1- معجم البلدان:
ذكره بهذا الاسم المستوفي في تاريخ إربل وابن الشعار وقال:
أجاد في تأليفه، وقال المنذري: جمع كتابا كبيرا في البلدان أحسن فيه. وسماه ابن النجار كتاب أسماء البلدان والجبال والمياه والأماكن، وهو في هذا يستوحي قول ياقوت في مقدمة كتابه: «أما بعد فهذا كتاب في أسماء البلدان، والجبال والأودية والقيعان، والقرى والمحالّ والأوطان، والبحار والأنهار والغدران، والأصنام والأبداد والأوثان» .
وهو يقول إن فكرته انقدحت في ذهنه عندما كان في مدينة مرو سنة 615، وكان في مجلس شيخه أبي المظفر السمعاني، فقد لفظ ياقوت اسم «حباشة» (وهي سوق من أسواق العرب ورد ذكرها في الحديث) بضم الحاء، فانبرى له أحد المحدّثين وزعم أنها بفتح الحاء، دون أن يؤيد قوله هذا بشاهد أو حجة، وذهب ياقوت يطلب ضبط هذه اللفظة في المصادر، فلم يهتد فورا إلى مصدر على الرغم من كثرة الكتب في تلك المدينة؛ ومضت مدة قبل أن يعثر على ضبط الكلمة، وحين عثر عليها مضبوطة، تأكد من أن الحاجة ماسّة إلى معجم للبلدان مضبوط: «فألقي في روعي افتقار العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوط، وبالاتقان وتصحيح الألفاظ بالتقييد مخطوط، ليكون في مثل هذه الظلمة هاديا، وإلى ضوء الصواب داعيا، ونبهت على هذه الفضيلة النبيلة، وشرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون، ولم