حجب القفطي لكتابه، وضنه ببذله، أو لأنه تأخّر في جمع مواده، ففي بعض تراجمه أنه يكتبها بعد ست سنوات من وفاة ياقوت (أي سنة 632) «1» .
يقرن ابن الشعار بين ياقوت والتحصيل الثقافي بلقائه لعلماء مصر والشام فيقول: «ولقي مشايخها وعلماءها وشاهد أدباءها وفضلاءها، وجالس صدورها وكبراءها وأخذ عنهم الآداب الكثيرة، واستفاد منهم الفوائد الغزيرة» «2» ، ولكن ابن الشعار ينسى أن ثقافة ياقوت لم تقف عند هذا الحدّ، بل إن السنوات الثلاث التي أقامها يتردد إلى خزائن الكتب في مرو، قد وسّعت كثيرا في مجال ثقافته، وأن اشتغاله بالنسخ قد رسخ في ذهنه ثقافة عريضة لم يحصلها من الشيوخ، فإذا أضفنا إلى ذلك استعداد ياقوت لاستمداد الفائدة من كل من يلقاه، عالما كان أو غير معدود في طبقة العلماء، قدّرنا أن تشبع نفسه بالسؤال المستمر دون فتور أو كلل كان مصدرا للمعرفة لا ينضب، ولم نحدّ المجال الثقافي الذي بلغه. ولقد صدق المنذري حين قال:
«وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف» «3» ، فإذا ربطنا بين تلك الهمة العالية وبين حب الاستطلاع الذي يشبه النهم، قدّرنا أن الرجل كان يحسّ أن طريقه سينال حظا من تقدير المجتمع له هو إحراز تميز خاص في ميدان العلم.
كان أكثر شيوخه متقاربين في نوع العلوم التي يحسنونها وإن كانوا متفاوتين في درجات الإتقان، ولذلك أخذ عنهم النحو واللغة والعروض والقراءات وشيئا من الفقه والحديث. وكانت دراسته على شيخ إثر آخر منهم تعدّ تعميقا في بعض جزئيات تلك العلوم ومشكلاتها، فقد غدا يعرف المشكلات النحوية الكبيرة ويرى لنفسه رأيا في بعضها، ويتقن العروض حتى تجرأ فألّف في ضرورات الشعر ووجد نفسه بأخرة